المستقبل.. سؤال بلا إجابة

02:21 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

بعد أن ننتهي من قراءة العديد من التحليلات التي تتناول الكثير من الأزمات المحيطة بنا، يحق لنا السؤال: إلى أي مدى تمتلك تلك التحليلات القدرة على توقع المقبل، واستشراف تقلبات الغد؟
في الشأنين العراقي واللبناني على سبيل المثال، نقرأ لهذا أو ذاك متحدثاً عن تفاؤله بنهاية النزعة الطائفية، تلك التي تبشر بها وجوه محتجة على أوضاع فاسدة يعانيها الجميع، لا تفرق بين من ينتمي إلى هذه الفئة أو تلك، ولكن يبقى السؤال: هل انتهت الطائفية بالفعل؟ وهل نحن على أعتاب دول حديثة لا تقيم وزناً لأي عامل خارجي باستثناء فكرة المواطنة وتطبيق القانون على الجميع؟ هل تخلص سكان هذه المنطقة من الولاءات الضيقة وفي طريقهم إلى علاقات حديثة مع بعضهم البعض تؤدي إلى تأسيس دولة مدنية يحلم بها العرب منذ عقود طويلة؟ لا أحد يملك الإجابة القاطعة، ولا أحد يستطيع كتابة سيناريو تقريبي لما سيواجهه العرب خلال السنوات القليلة المقبلة. هي مجرد تحليلات ترصد ما يحدث على الأرض.
هذه الحالة ليست بجديدة، فقبل ما يقرب من عقد، لم يتوقع أحد ما حدث في خمسة بلدان عربية، نزلت الحشود إلى الشارع تحتج على الأوضاع، وجاءت تحليلاتنا بعدية، وكان الواقع هو الذي يؤشر إلى ركوب التيارات المتشددة الموجة. صحيح حذر البعض من قوة هذه التيارات، ولكن لم يكتب أحدهم سيناريو ما، لحظتها، يتوقع فيه وصولها إلى الحكم. والأمر لا يقتصر على التحليل السياسي، ولكن هناك التحليل الذي يمكن وصفه بالأكثر حساسية لأحوال البشر، ونعني الأدب، وإذا كان البعض قد ادعوا أنهم توقعوا تلك الاحتجاجات في أعمالهم، فإنهم لم يصلوا إلى سيناريو رؤيوي واضح كما تنبأ نجيب محفوظ بهزيمة 1967.
لم يكن محفوظ وحده من يمتلك القدرة على توقع المقبل، ولكن كتابات فكرية وسياسية عديدة توقعت ثورة 1952، وغيرها من الأحداث، أي أن العرب في السابق امتلكوا القدرة على الإحساس برياح الغد، ويبدو أنهم لأسباب تحتاج إلى تأمل فقدوا تلك القدرة في العقود القليلة الماضية.
لماذا توقفنا عن التفكير في المستقبل؟ سؤال يبحث عن إجابة ليس في المجال السياسي وحسب، ولكن في الثقافة، التعليم، التنمية، الاقتصاد.. إلخ، بل إن كلمة المستقبل نفسها يندر أن نعثر عليها عند هذا أو ذاك، وإذا وجدها القارئ لا يتوقف أمامها طويلاً في أغلب الأحوال، هذا إذا لم يسخر منها في أعماقه.
إن أمة لا تفكر في مستقبلها هي بالتأكيد لا تملك مفاتيح حاضرها، ولا تستطيع مواجهة تقلباته المتسارعة التي تقودها دوماً من سيئ إلى أسوأ.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"