المصالحة الفلسطينية على أي أسس؟

04:18 صباحا
قراءة 3 دقائق

الحديث عن المصالحة الوطنية بين الفصائل، وعلى الأخص حماس وفتح، وبينها وبين السلطة في رام الله، سيكون حديث بهلوانيات سياسية إن لم يهدف لتكون المصالحة على أسس واضحة ومتماسكة، المصالحة المطلوبة تحتاج إلى أن تتوفر فيها الثوابت التالية:

* أولاً: قيام جبهة وطنية تمثل الشعب الفلسطيني برمته، إن في الداخل أو الشتات، ذلك أن الفلسطينيين في الضفة الغربية هم حوالي ثلاثة ملايين، في حين أن عددهم في الشتات يقترب من الستة ملايين، ولا يحتاج الشعب الفلسطيني أن يبدأ من الصفر بالنسبة لهذا الموضوع، ذلك أن منظمة التحرير الفلسطينية كانت في بداياتها جبهة تحرير وطنية مماثلة لغيرها من جبهات التحرير، كما كانت الحال مثلاً في فيتنام أو الجزائر. ولقد قامت تلك الجبهات على أساس تحرير الأرض الوطنية أولاً وترك أية اختلافات ايديولوجية أو منهجية إلى ما بعد التحرير، ولذلك ضمت تلك الجبهات قوى من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وتعاملت مع الحاضر وأجلت مسائل المستقبل.

والواقع أن منظمة التحرير الفلسطينية قد فعلت الأمر نفسه في بداياتها، لكنها هزلت وتعفنت واختطفت من قبل عناصر انتهازية غير ديمقراطية بعد توقيع اتفاقيات أوسلو. عند ذاك حلت السلطة الفلسطينية محل المنظمة وأصبحت الأخيرة غير ممثلة لكل الشعب الفلسطيني بسبب عدم تواجد منظمات من مثل حماس والجهاد الإسلامي فيها. الآن يجب أن يصحح هذا الأمر لكي تصبح منظمة التحرير جبهة وطنية تمثل كل شعب فلسطين، وتقوم على أسس ديمقراطية توافقية، وتكون هي المرجعية الوحيدة في كل قرار يتخذ من أجل تحرير فلسطين، سواء على أسس مرحلية أو على أسس دائمة. وفي هذه الحالة، فإن كل المؤسسات الأخرى، بما فيها السلطة الفلسطينية، تصبح أدوات تنفيذية لتوجيهات وقرارات سلطة منظمة التحرير، أي سلطة الشعب الفلسطيني كله.

* ثانياً: تاريخ كل ثورات العالم التحريرية يؤكد أن هناك مكاناً للمقاومة المسلحة وللممانعة العنيفة وللمساومات السياسية. وعليه فالذين أصروا في الماضي، بدعم أمريكي - صهيوني ومباركة بعض الأطراف العربية، على تجريد المقاومات الفلسطينية من سلاحها لا يمثلون إلا الجهل بتاريخ تحرير الأوطان أو التعب من السير في طريق النضال أو التواطؤ مع المحتلين. من هنا، فإن أي تصالح يجب أن يكون على أساس توزيع الأدوار بين مكونات منظمة التحرير لكي تصب كلها في هدف التحرير ودحر الصهيونية، والفلسطينيون الذين يخلطون بين الواقعية والاستسلام يجب ألا يكون لهم مكان في العمل الفلسطيني.

* ثالثاً: إذا بنيت منظمة التحرير الفلسطينية على الأسس التي ذكرنا فلن تكون قاصرة أو كسيحة لكي تحتاج إلى كل أشكال الوساطات لحل الخلافات فيما بين مكوناتها، والأمريكيون والصهاينة وبعض الحكومات العربية عند ذاك لن يجدوا في الساحة الفلسطينية دُمى لتحريكها أو بلادات قيادية لابتزازها. وستخطئ منظمة التحرير عند ذاك لو لم تعول على دعم من قوى النضال والمقاومة في المجتمع المدني العربي بدلاً من هذه الجهة الخارجية أو تلك الجهة الرسمية العربية. ذلك أن الصراع مع المشروع الصهيوني - الأمريكي سيكون مريراً وطويل الأمد وسيرورة مقاومة متجددة ومتنامية في تاريخ العرب. وهذا يتطلب طول النفس الذي تتحلى به الشعوب والمجتمعات بدلاً من الاعتماد على قصر النفس الذي ينخر عظم المؤسسات الرسمية.

لقد ابتليت الساحة الفلسطينية بكل أنواع البلادات والخيانات وأضغاث الأحلام وتجزئة القضية بصورة مبتذلة، وعانى الشعب الفلسطيني كثيراً بسبب كل ذلك، وأدخل الشعب العربي كله دوامة الحيرة، وسالت دماء زكية كثيرة لشهداء تعاتبنا أرواحهم ليل نهار. من هنا، وتكريماً لتلك الأرواح، يجب أن نجعل المصالحة الفلسطينية المطلوبة القادمة مسماراً في نعش المشروع الصهيوني - الأمريكي - الأوروبي الظالم المبني بحجارة كل رذيلة. إعادة تكوين وانتخاب وتنظيم منظمة التحرير الفلسطينية لتمثل شعب الداخل والشتات وجعلها مصدر كل قرار مقاومة وتحرك سياسي هو ذلك المسمار.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"