الوضع الشاذ في اليمن

05:10 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

يشكل الوضع في مدينة الحديدة وفي مينائها بالذات غربي اليمن، تحدياً جسيماً للإرادة الدولية والإقليمية في إنهاء الوضع الشاذ باليمن. فقد عمدت سلطة الأمر الواقع الانقلابية إلى السيطرة على هذا الميناء الحيوي، لأغراض تتصل بالسيطرة على حركة الصادرات والواردات والانتفاع منها بغير وجه حق، ومن جهة أخرى لتأمين وصول الدعم العسكري للحوثيين، بغية إطالة أمد الحرب، وحمل الانقلابيين على التعنت، ومن جهة ثالثة تسعى السلطة الانقلابية إلى تهديد الملاحة في البحر الأحمر وممارسة مختلف أشكال الابتزاز ضد السفن العابرة. ميناء الحديدة الذي أنشئ في العام 1961 بدعم سوفييتي آنذاك في مرحلة الحرب الباردة، بقي خارج أهداف التحالف العربي وذلك لتمكين اليمنيين من الاستفادة من هذه النافذة البحرية لتأمين وصول الإمدادات الغذائية والمشتقات النفطية والمواد الإغاثية في الضائقة التي يعيشونها كنتيجة لإغلاق الانقلابيين فرص السلام. وفي أواخر مارس الماضي شب حريق هائل في مخزن للمواد الإغاثية يقع بالقرب من الميناء ويضم موادّ غذائية وإغاثية ولم تكشف سلطة الانقلابيين أسباب الحريق والجهة أو الجهات المتسببة به. هذا المخزن كانت محتوياته تؤمّن بعض احتياجات اليمنيين العاجلة.
وقد ازدادت في الآونة الأخيرة عمليات التعرض لسفن عابرة في البحر الأحمر، ومنها احتجاز نحو 19 سفينة محملة بمشتقات نفطية لتلبية حاجة السوق اليمني لهذه المادة الحيوية. ويشكل احتجاز هذه السفن نذير سوء بأن يتم التعرض لها واستهدافها بما يهدد بكارثة بيئية أو توظيف الاحتجاز للابتزاز المالي ورفد خزانة الحرب كما أوضح مركز إسناد للعمليات الإنسانية الشاملة في اليمن في تصريحات نشرت مؤخراً حول هذه الحادثة الخطيرة التي تبين أن سلطة الأمر الواقع تتعامل مع هذا الشريان الحيوي باعتباره أحد ممتلكاتها الخاصة والذي يخضع العمل فيه لأجندتها وأجندة من لا يريدون رؤية نهاية للحرب، وللوضع الشاذ في هذا البلد.
من واجب المجتمع الدولي والمبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، التحرك نحو ضمان استعادة الدولة الشرعية للإشراف على هذا المنفذ الحيوي لا أن يبقى بإمرة جهة حزبية وفئة بعينها، لا همّ لها سوى السيطرة على مقدرات البلاد والعباد، ولو أدى ذلك إلى أفدح الأضرار بعموم اليمنيين وبمدينة الحديدة (226 كلم عن صنعاء) التي تضم أزيد من مليوني نسمة، وكانت مركزاً مزدهراً للنشاط التجاري والسياحي قبل أن تنعكس عليها ويلات الانقلاب. وإلى أن تتمكن الشرعية من بسط كامل سيطرتها وولايتها على البلاد، ولأسباب تتعلق بجعل ميناء الحديدة نافذة وممراً للمساعدات الإنسانية والحاجات الحياتية، فإن على المجتمع الدولي أن لا يبقى في موقف المتفرج، وأن يصار إلى تحييد الميناء ووضعه تحت إشراف الأمم المتحدة ومراقبة المنظمات الإنسانية والجهات ذات العلاقة في المنظمة الدولية. ولعل بلوغ هذا هو من مسؤولية المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث الذي حل في فبراير الماضي محل المبعوث السابق إسماعيل ولد الشيخ، وذلك حتى لا يبقى الميناء أداة لتغذية الحرب ورهينة بأيدي الانقلابيين، ومن أجل ضمان سلامة الملاحة البحرية في البحر الأحمر.
ويدرك المرء أنه يتعذر عزل الوضع في ميناء الحديدة وهو ميناء رئيس إلى جانب ثلاثة موانىء أخرى على البحر الأحمر، عن مجمل الوضع في شمال اليمن. فرغم التقهقر الذي مُني به الانقلابيون على مختلف الجبهات، إلا أنهم ما زالوا يرون أن مصالحهم الفئوية الضيقة تكمن في استمرار الحرب واجتذاب الدعم الخارجي المعلوم، وأنه إذا ما حلّ سلام في البلاد وهو ما يتمناه كل يمني، فإن شبكة نفوذ الانقلابيين وسطوتهم سوف تتقلص إلى حد بعيد، وسيعودون إلى حجمهم الطبيعي كقوة حزبية منفردة بين عشرات القوى السياسية والاجتماعية، هذا إذا لم يخضعوا إلى المساءلة من المجتمع اليمني عما ألحقوه من أضرار فادحة وكارثية منذ نحو أربع سنوات عجاف. ولهذا يبدو الانقلابيون في وضعِ من يستثمر في الحرب، وفي رهن سيادة البلاد لطرف خارجي لا يكتم مطامحه غير المشروعة خارج الحدود لأن هذا الارتهان يحقق فائدة لسلطة الأمر الواقع، ولو على حساب سيادة البلاد واستقلالها، مع إدارة الظهر للقرارات الدولية الخاصة باليمن ولموجبات الحلول ومعاييرها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"