بعض الدروس من الأزمة المالية

03:27 صباحا
قراءة 3 دقائق

لا بد من حصول أزمات مالية واقتصادية في كل الدول . المهم التعلم من كل منها لمنع التكرار . أزمة 2008 المعروفة ب"الركود الكبير" أثرت على الاقتصاد العالمي بأهم مؤشراته منها الناتج المحلي، وأخطرها البطالة، حيث يتوافر عدد كبير من العاطلين عن العمل لمدة سنة أو أكثر . البطالة سيئة حكماً، لكنها تصبح خطرة إذا بقي العاطلون مدة طويلة خارج السوق، حيث تتدنى كفاءتهم، وتسوء حالتهم النفسية وربما الصحية أحياناً . هنالك علاقة قوية بالاتجاهين بين البطالة والنمو، إذ هنا تكمن أهمية معالجتهما سوية كي تتحول الحلقة الاقتصادية من سلبية إلى فاضلة . بينت الأزمة أن النماذج الاقتصادية التحريرية التي تم اعتمادها لعقود فشلت في تأمين الاستقرار والاستمرارية في النمو، بل سببت خسائر غير مسبوقة .
اعتمدت الدول سياسات جديدة لمعالجة الواقع وبدأ العالم يشعر بالتحسن . ارتفع الناتج المحلي الأمريكي بنسبة 1،9% في سنة 2013 و2،8% في سنة 2012 . إلا أن الخبر الجيد هو ارتفاع الناتج بنسبة 3،7% خلال النصف الثاني من السنة الماضية، وهذا ما لم تشهده أمريكا منذ ما يفوق العشر سنوات . بلغ النمو الأوروبي السنوي 2،6% خلال 5 سنوات قبل الأزمة، وتعثر معها إلا أن التعافي واضح اليوم، حيث يتوقع للنمو أن يبلغ 1،6% سنوياً خلال فترة 2013-،2017 حتى البرتغال المتضررة نمت السنة الماضية بنسبة 1،6% معتمدة على الصادرات التي بلغت 41% من الناتج مقارنة ب 27% منه في سنة 2009 . أما الاقتصاد الياباني، فنما ب 1% في الفصل الرابع من 2013 بالرغم من الخوف من تأثير الضريبة المتزايدة في المبيعات التي ستطبق في الشهر المقبل . التحسن أكيد وان اختلفت الأرقام وتقلبت بسبب العوامل السياسية والاقتصادية المتداخلة . من المؤكد أن أحداث أوكرانيا ستؤثر ليس في العلاقات السياسية بين الغرب والشرق فقط، وإنما في المناخ الاقتصادي الدولي وأسعار الذهب والنفط أيضاً . لا يمكن أيضاً تجاهل الصراع في فنزويلا وتايلاند وغيرهما بالرغم من محدوديتهما الجغرافية، إلا أنهما يؤثران بالتأكيد على العلاقات الاقتصادية الدولية .
ارتفعت مؤشرات الأسهم بنسب عالية السنة الماضية منها 30% لستاندارد آند بورز و57% لمؤشر نيكاي الياباني . تشير الوقائع في بداية هذه السنة إلى تخبط المؤشرات بسبب القلق بشأن الأسواق الناشئة وإمكانية تغير بعض السياسات النقدية باتجاه التقشف والحد من نمو الكتلة النقدية خوفاً من التضخم . في الواقع سلمت الاقتصادات الناشئة من الأزمة أولاً، لكنها بدأت اليوم تشعر بتأثيرها . فالتطورات الحاصلة في الصين والهند والبرازيل والأرجنتين وغيرها تشير إلى الانتقال الجغرافي للأزمة، وإلى ترابط الاقتصادات أكثر مما اعتقد البعض . الرابط الأساسي بينها الذي سهل انتقال الأزمة هي الأسواق المالية المنتشرة والدور الكبير الذي لعبته المصارف في زيادة المخاطر من دون أن تتطور في الوقت نفسه الضوابط القانونية والعلمية المناسبة .
اتفاقية "ماستريخت" التي تعد أساس بناء الوحدة النقدية الأوروبية والتي وقعت في سنة ،1997 لم تتطرق إلى الأسواق المالية بل عالجت مواضيع العجز المالي والدين العام والتضخم والفوائد . لم تكن الأسواق المالية بالحجم الذي وصلت إليه بعد 10 سنوات، ولم تكن تحمل نفس المخاطر في وسائلها وأدواتها . لهذه الأسباب، يركز الأوروبيون اليوم على وضع الضوابط التي تمنع تكرار تجربة الأسواق المالية السابقة ودور المصارف الأساسي داخلها . مستقبل الوحدة النقدية الأوروبية يرتكز إلى حد بعيد على سلامة الأسواق المالية وشفافيتها وفعاليتها، بسبب ترابط الأسواق المالية دولياً، يتم تطبيق الحلول بشكل متواز في أمريكا وأوروبا وآسيا بإشراف بنك التسويات الدولية لمنع انتقال الخلل من دول إلى أخرى .
كبرت الأسواق المالية بل تورمت في وقت كانت خلاله موازنات الدول عاجزة ودينها العام كبير . تراكمت المشكلات، وبالتالي تعثرت وسائل الإنقاذ الفاعلة . فما هي الدروس الأساسية التي يمكن تطبيقها منعاً لتكرار أزمات من هذا النوع؟
أولاً: إبقاء الإنفاق في مستويات جيدة .
ثانياً: إبقاء السياسات النقدية سخية أي سامحة لزيادة الكتلة النقدية عبر الفوائد المنخفضة وشراء السندات في الأسواق .
ثالثاً: ملاحقة الأموال المهربة من الضرائب أو الهادفة لتمويل العمليات غير الشرعية على أنواعها .
رابعاً: التنبه لاستثمارات المؤسسات المالية غير الشرعية أو تلك الشرعية التي لا تخضع للرقابة والقوانين الوطنية والدولية ومنها بعض الصناديق .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"