بات من الممكن استقراء ملامح ما بعد القمّة العربية لجهة توجهات ملفات الأزمات، وفي مقدمتها الأزمة اللبنانية والخلافات العربية العربية، لا سيما أن الأيام القليلة التالية لقمّة دمشق كانت حافلة بمجموعة من الأحداث التي قد تنبئ بما سيكون عليه الحال في الأسابيع والشهور القليلة المقبلة.
ومن الواضح أن مرحلة تعقيد في طريقها إلى الداخل اللبناني بعد السجال المستجد بين رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ورئيس مجلس النواب نبيه بري، في أعقاب مبادرة الأخير إلى اقتراح طاولة حوارية جديدة. وعلى عكس المبادرات السابقة لبري، التي كانت تحظى في العادة بترحيب أكثري، على الأقل في العلن، وجدت معارضة من السنيورة ومن ورائه تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري.
المواجهة بين المبادرة والرفض يؤشّر إلى ما يمكن أن تكون عليه الأمور في لبنان في المرحلة المقبلة، ولا سيما بعد تلميح قائد الجيش العماد ميشال سليمان إلى إمكان سحب اسمه من التداول كمرشح توافقي بين الأطراف اللبنانية، ما يعني أن الأزمة ستعود إلى نقطة الصفر، وخصوصاً أن الإنجاز الذي يتغنّى به الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في كل إطلالة إعلامية عن الأزمة اللبنانية كان الاتفاق على المرشح التوافقي، لتبقى نقطتا الحكومة وقانون الانتخاب بحاجة إلى مزيد من التشاور والدراسة.
البعد الإقليمي، وخصوصاً ما يخص الخلافات العربية العربية لا يمكن فصله عن توتّر الأزمة اللبنانية، وتحديداً إذا ما تم أخذ مواقع إطلاق مواقف السنيورة وبري بعين الاعتبار. فرئيس مجلس النواب استخدم المنبر السوري، بعد لقائه الرئيس بشار الأسد، ليعلن عن استعداد دمشق لمساعدة لبنان على حلّ أزمته. أما السنيورة فكانت القاهرة منطلقاً لإعلان رفضه على اعتبار أن الحوار يقوده رئيس الجمهورية، من دون إسقاط أن رئيس الحكومة كان في طريقه أيضاً إلى السعودية.
وبالتالي يمكن اعتبار المواجهة اللبنانية الحالية مواجهة عربية بالنيابة، ما يؤشر أيضاً إلى تصاعد التوتر بين الدول العربية المعنية بملف الخلافات البينية الذي كان مطروحاً على جدول أعمال القمّة، وخصوصاً بين دمشق من جهة والرياض والقاهرة من جهة ثانية، ولا سيما أن ما سُرّب عن جهود وساطة جزائرية أو كويتية فشلت من المحاولة الأولى.
وإضافة إلى مستجدات العلاقة بين دمشق والرياض والقاهرة، فإن بوادر تأزم ظهرت بين سوريا والأردن بعد ضريبة المازوت، التي فرضتها دمشق على الشاحنات، ما يؤشّر إلى أن إرهاصات ما بعد القمّة بدأت بالظهور تباعاً.
