توافق «إسرائيلي» على احتلال الأغوار

03:59 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

تنتشر بيوت استيطانية على سفوح جبلية مطلة على أغوار نهر الأردن حيث تبدو قرى أردنية وادعة الى الشرق، بينما تلمع مع أشعة الصباح بيوت بلاستيكية زراعية في الأغوار الفلسطينية، بعضها استيطاني، وبعضها لمزارعين فلسطينيين يقاومون من أجل البقاء في هذه المنطقة المستهدفة بالاستيطان. وقد تكثف الاستيطان، مؤخراً، مع التصريحات الاحتلالية المتلاحقة خاصة في الحملة الانتخابية الجارية التي يرفع خلالها قادة أحزاب اليمين والوسط شعار أن الأغوار ضرورة أمنية للكيان الاحتلالي، ويجب عدم الانسحاب منها، ومن المنطقة المصنفة «سي»، وعدم السماح بإقامة دولة فلسطينية بين البحر والنهر.
ومن سفوح الجبال نزولاً نحو منطقة فروش بيت دجن والجفتلك الزراعيتين، ثمة سهل الحمرا الذي سمي نسبة الى ترابه الأحمر الخصب، حيث أقام الاحتلال مستوطنة استولت على أكثر من عشرة آلاف دونم، لكن كما يبدو فإن العاملين في الزراعة هم مقاولون عرب استأجروها من المستوطنين الذين يحصلون على قروض ومساعدات للاستيطان، وبعد سنوات يؤجرون المنشآت الزراعية لفلسطينيين، ويهجرون الزراعة ويقيمون في «تل أبيب». ورغم تكثيف المزايا الاستيطانية فإن عدد المستوطنين ليس كثيراً، فقرب قرية بردلة في الأغوار الشمالية جاء مستوطنان قبل فترة، واتخذا من تلة مكاناً لهما، وسرعان ما قام الاحتلال بمصادرة الأرض، وأوصل الكهرباء والماء وأقام سياجاً حول التلال لمصلحة المستوطنين اللذين يحرسهما جنود على مدار الساعة. والى الجنوب من بردلة يقيم مستوطن مع أغنامه في بيت حديث، وقامت سلطات الاحتلال بمصادرة بضعة مئات من الدونمات لأغنامه، وسيجتها وحظرت على سكان المنطقة دخولها. وفي غرب نهر الأردن أزال الاحتلال الألغام وحول المنطقة المغلقة الى مزارع نخيل، وأقام بركاً كبيرة لتجميع مياه الأمطار قبل وصولها الى النهر الذي يعاني الجفاف، وقام بسلب المزارعين الفلسطينيين آبارهم الارتوازية القديمة، وحظر عليهم حفر آبار حديثة، وسخر المياه للمستوطنين فقط. فمن شمال الأغوار الى جنوب أريحا زرع الاحتلال أشجار النخيل لتصدير التمور.
الاحتلال يتمسك بالأغوار ليس لأسباب أمنية، كما يدعي، بل لأسباب اقتصادية، حيث تدر عليه المزارع مئات ملايين الدولارات من الصادرات الزراعية، بينما يعاني المزارعون الفلسطينيون الإهمال الرسمي، حيث يتعرض رعاة الأغنام للقمع، ومصادرة المواشي، لأن الاحتلال يمنعهم من دخول أغلب المناطق، كما أن المزارعين يواجهون الاستيطان وحدهم، وعندما اتجهوا لزراعة النخيل للتصدير وقعوا ضحية جشع التجار، فهم يشترون الكيلوجرام من التمر الفاخر بثلاثة دولارات، ويصدره التجار بثلاثين دولاراً ونيف.
وبالتوازي مع معركة تهويد القدس فتح الاحتلال معركة تهويد الأغوار، واعتبرها مهمة ك»تل أبيب». وجاء في دراسة صدرت الأسبوع الماضي عن «مركز بيجن - سادات» في جامعة بار إيلان، أعدّها الباحث في المركز جرشون هكوهين، وهو يحمل رتبة لواء في الاحتياط في جيش الاحتلال ومستوطن، أن على «إسرائيل» البقاء في المنطقة المصنفة «سي»، بما فيها الأغوار التي تشكل ستين في المئة من مساحة الضفة. وأدعى هكوهين أن سحب قوات الاحتلال «الإسرائيلي» من المنطقة «سي» يعرض دولة الاحتلال لخطر وجودي، وسيسمح بنشوء كيان معاد وفق النموذج الغزي، ويهدد السهل الساحلي. ومخاطر انسحاب كهذا يزج «إسرائيل» في حدود لا يمكن الدفاع عنها في رأيه.
وزعم هكوهين أن «نشر قوات دولية في مناطق الضفة لا يضمن دولة فلسطينية منزوعة السلاح، كما أنها لن تمنع دخول جيوش معادية إلى أراضيها، أو استغلالها كقاعدة لشن «هجمات إرهابية» ضد «إسرائيل»»، ويرفض واضع الدراسة أي إخلاء للمستوطنين من الضفة. واستعان واضع الدراسة بمواقف «اليسار»، أي حزب العمل التي تؤيد استمرار احتلال الأغوار، حيث إن رئيس الحكومة «الإسرائيلية» الأسبق إسحق رابين، الذي وقع على اتفاقية أوسلو، عام 1993، ورفض لاحقاً تطبيق هذه الاتفاقية، قال في خطابه الأخير في الكنيست، قبل اغتياله، إن «حدود دولة «إسرائيل» لفترة الحل الدائم ستكون وراء الخطوط التي كانت قائمة قبل حرب الأيام الستة». والحدود الآمنة لحماية « إسرائيل» ستكون في غور الأردن، بالمفهوم الأوسع لهذا المصطلح. والقدس الموحدة التي ستضم أيضاً (مستوطنة) معاليه أدوميم، وكذلك (مستوطنة) غفعات زئيف، ستبقى عاصمة «إسرائيل» وتحت سيادتها .
وكان شمعون بيريز حذر أيضاً من قيام دولة فلسطينية الى جانب الكيان، حيث قال نصاً «إذا قامت دولة فلسطينية منفصلة ستكون مسلحة من اخمص قدميها حتى رأسها، ولن تكون أي طائرة أو سيارة «إسرائيلية» في مأمن». فإذا كان هذا رأي من وقعوا اتفاق أوسلو فلا عجب أن يتسابق قادة اليمين والوسط الى اتخاذ مواقف متشددة ضد أي انسحاب من الضفة، وضد أية أمكانية لقيام دولة فلسطينية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"