تُعلن استقلالها وتبقى سودانية

04:24 صباحا
قراءة 3 دقائق

شارك الرئيس السوداني عمر البشير يوم 9 يوليو/ تموز الجاري في احتفالات إعلان دولة جنوب السودان في جوبا، إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وعدد من القادة السياسيين من دول مختلفة في عالمنا . مشاركة الرئيس السوداني في مناسبة انفصال جزء من بلاده، جاءت للتدليل على حسن النوايا تجاه الدولة الجديدة، وتعبيراً عن التقيد بمضمون الاستفتاء الذي جرى مطلع العام الجاري ،2011 واقترع فيه الجنوبيون إلى جانب الاستقلال . الجنوبيون رقصوا وغنوا وهللوا في المناسبة، وهو أمر مفهوم وغير مستغرب، فحتى الشاب اليافع يهنأ بالانفصال عن والديه وأسرته إيذاناً باستقلاله الذاتي وتكوينه أسرة خاصة به . والجنوبيون عانوا ويلات الصراع مع الشمال والدولة الأم على مدى نحو ثلاثة عقود، كما تجرعوا المرارة من ويلات الصراع بين الفصائل الجنوبية المتناحرة .

تم قبول الدولة الجديدة التي حملت الرقم 193 في الأمم المتحدة بعضوية كاملة في يوم إعلان استقلال هذه الدولة التي تستعد للانضمام إلى الاتحاد الإفريقي، وإلى منظمة تعاون شرقي إفريقيا (إيغاد)، وهما هيئتان أسهمتا في التوصل إلى اتفاق السلام عام 2005 بين الشمال والجنوب، وفي رعاية الاستفتاء على تقرير المصير . لن تنضم هذه الدولة إلى جامعة الدول العربية، لأنها ببساطة دولة غير عربية، رغم أنها مازالت من ناحية الاسم على الأقل دولة سودانية، والعزاء أن جمهورية السودان مازالت عضواً في الجامعة، بل هي عضو مؤسس فيها منذ أكثر من ستة عقود .

جنوب السودان الذي كان لأيام خلت جزءاً من الوطن السوداني، وفي حالة حرب من الناحية الرسمية مع الدولة العبرية، كما هو الشمال ومجمل البلاد والشعب، هذا الجنوب مرشح لأن يشكل بؤرة نفوذ إسرائيلي . لقد سارعت تل أبيب إلى الاعتراف بالدولة الجديدة، وإرسال برقية تهنئة إلى قيادة هذه الدولة الرئيس سيلفا كير . يهود جنوب السودان سارعوا إلى الاحتفال في تل أبيب بنشأة الدولة الجديدة، وهي مفارقة لا يجد المرء مثيلاً لها إلا في النموذج الصهيوني، فمن تخلوا عن وطنهم وشعبهم واستوطنوا في أرض شعب آخر، لا يترددون بالاحتفال بمناسبات تخص الشعب الذي تخلوا عنه .

الفقر الشديد الذي يعانيه السكان يتجلى في بعض مظاهره بانعدام وجود الكهرباء، وشبكات الصرف الصحي . الأمم المتحدة أرسلت على عجل مئات الخبراء والموظفين للمساعدة في حل مشكلات الفقر، وتمكين الناس من الحياة . هنيئاً للجنوبيين مادام هذا هو خيارهم وطموحهم، لقد تلقوا من قبل أشكالاً عديدة من الدعم والإسناد من الشرق والغرب، كما من منظمات إنسانية وهيئات إغاثة، في إطار الصراع مع الشمال وحكومة الخرطوم . الآن، فإن الصراع انتهى بإعلان الاستقلال، والقضايا الخلافية الباقية ستكون موضع تفاوض، وبالذات على منطقة أبيي الحدودية المتنازع عليها الغنية بالنفط، كما على إمدادات النفط من الجنوب إلى ميناء بورسودان في الشمال لغايات التصدير . وهناك بعدئذٍ المشكلات الاجتماعية المتعلقة بالجنوبيين المقيمين في الشمال . فمع إعلان استقلال الجنوب أقر البرلمان في الخرطوم إسقاط الجنسية عن جميع الجنوبيين أينما أقاموا، وهناك خشية أن يصبح من يقيم في الشمال بلا جنسية، وهو ما حذرت منه الأمم المتحدة، والأمر المتعلق بهوية هؤلاء وجنسيتهم، منوطٌ ليس باعتبارات قانونية فقط، بل بالعلاقة التي سوف تنشأ بين الدولة الجديدة ودولة السودان، هل هي علاقة صراعية محكومة بإرث ثقيل من اهتزاز الثقة والذكريات المرة، أم هي علاقة جوار وصداقة وتعاون، بما سينعكس في النتيجة على الجنوبيين، وحتى على الشماليين في مختلف مناحي الحياة؟

أبدت الخرطوم قدراً كبيراً من حسن النوايا حتى الآن تجاه الجار والشريك المنشق، وعلى جوبا أن تبرهن من جهتها عن توجهات إيجابية حيال جمهورية السودان، كما إزاء إفريقيا العربية والإسلامية، فالجنوبيون يدركون جيداً طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، وكانوا ولو نظرياً جزءاً منه على مدى عقود طويلة، إلى جانب العرب وفي صفوفهم، وإذا كان معقد شكوى الجنوبيين تاريخياً هو هيمنة الشمال، فلعل زعماء الدولة الجديدة يدركون أيضاً أن الدولة العبرية هي دولة احتلال وتمييز، وأن الصراع معها ليس صراعاً دينياً، بل هو صراع ضد الاحتلال والتوسع، وضد إنكار الحقوق الأساسية لشعب فلسطين الذي تم اقتلاعه من أرضه لتأسيس دولة مهاجرين يهود ينتمون إلى أوطان وشعوب شتى .

يجهر المرء بذلك داعياً بالمناسبة إلى أن تحظى الدولة الجديدة بدعم عربي في مجالات التنمية وعدم إدارة الظهر لهذه الدولة، إذ إن مؤدى ذلك هو تمكين النفوذ الصهيوني من الاستشراء في هذا البلد، بما يشكله ذلك من مخاطر داهمة على السودان ومصر وبقية دول المنطقة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"