حماية البيانات والثورة التقنية

03:03 صباحا
قراءة 3 دقائق
ليونيد بيرشدسكي *

أثار مؤسس شبكة الإنترنت العالمية، تيموثي لي عاصفة على تويتر مؤخراً عندما حاول طمأنة مستخدميها بأنه لا يزال بوسعهم التحكم ببياناتهم على الشبكة وحماية مستقبل الإنترنت بعد فضيحة «كامبريدج أناليتيكا». ربما يكون محقاً لكن ليس بالقدر أو الشكل الذي يتخيله.
فقد جاء في تغريدة لي: «ما الذي يمكن لمستخدمي الإنترنت فعله؟ ما عليكم سوى متابعة التعامل معها. والانتباه لبياناتكم. هذه الشبكة ملككم. ولو أن كل واحد منا خصص جزءاً صغيراً من وقته الذي يقضيه على الشبكة من أجل حمايتها والدفاع عنها فلا بد أن نكون بخير. قولوا لشركاتكم وحكوماتكم أو ممثليكم إن البيانات والشبكة مهمة جداً».
قد يكون هذا الضنك حول ما حدث مفهوماً ومبرراً. وأغبط السيد لي على تفاؤله المفرط حول قدرة حملات النشطاء وهيئات التنظيم وكفاءتها. وكلاهما لا شك مهم في كبح الغزو الذي طال خصوصيتنا، سواء ما عرفناه وما لا نعرفه، خلال السنوات الماضية. لكن حتى لو كنا «يقظين» حيال ذلك الغزو فإننا لا نملك الكثير حيال صده.
صحيح أننا نستطيع شطب حساباتنا وسحب بياناتنا عن مواقع التواصل الاجتماعي كلها فهي عملية متاحة لمن أراد، لكننا لا نستطيع بسهولة ضبط واسترداد البيانات التشاركية عبر تلك المواقع وغيرها التي تستخدم تلك البيانات بطرق تقنية مدروسة في الإعلانات التجارية وغير التجارية. فتلك المواقع تحتفظ بشتى أنماط المعلومات حول زائريها وتضعها في خدمة المعلنين، بحيث تطال إعلاناتهم مقلتيك. كما أنه من غير السهل استرداد البيانات التي جمعتها بكل تفاصيلها شركات سمسرة لتبيعها للمعلنين كما حدث في فضيحة «كامبريدج أناليتيك»، التي لعبت دور سمسار البيانات لتبيعها للحملات الانتخابية. فالمؤكد أن معظم التطبيقات التي نستخدمها في هواتفنا تجمع بياناتنا وتشاركها.
فهل حقاً يمكن استعادة السيطرة؟ ممكن نظرياً صعب عملياً. فبياناتنا لم تعد ملكاً لنا وهي تستخدم بطرق قد لا نوافق عليها، هذا إن أتيحت لنا فرصة إبداء الرأي.
ومنذ انطلاق خدمة الإنترنت انتشرت شركات تقديم الخدمات الإعلامية المجانية عليها طمعاً في حصة من كعكة الإعلانات التجارية. وحاولت تلك الشركات إيهام المستخدمين بأن بياناتهم في أيدٍ أمينة، ولن تباع للمعلنين بشكل يجعل جمع البيانات أكثر أهمية من نشر الأخبار والخدمات الإعلامية المجانية التي تقدمها تلك الشركات. ولم يقتصر الأمر على فيسبوك وجوجل وتويتر، فحتى شركات النشر التقليدية زودت مواقعها بتقنيات برمجة الإعلان التجاري على موقعها وتطبيقاتها.
وتترقب عيون العالم اليوم تجربة جديدة في إصدار العملات المشفرة عبر موقع تيلجرام. وقد جمع الموقع حتى الآن 850 مليون دولار وهو مرشح لمضاعفة الرقم قريباً. والفكرة هي أن يتم إنشاء اقتصاد يعتمد على تقنية بلوك تشين داخل مجتمع تيليجرام الذي يضم 170 مليون مشترك نشط، يستخدمون العملات المشفرة لتحويل القيمة وشراء النقد. ومثل هذا المجتمع الافتراضي فيه مساحات للإعلان التجاري، لكنه حريص على التركيز على مواقع الميديا التقليدية بدلاً من المساحات الصغيرة التي يوفرها جوجل أو فيسبوك. فموقع تيليجرام له قنوات عامة يستطيع مالكوها بيع مسحات إعلانية للمعلنين المهتمين بهذه الشريحة من جمهوره. ولا يحتاج تيليجرام ولا أصحاب القنوات لبيانات الجمهور من أجل جني الأموال. فموقع تيليجرام يكفيه ما يحصل عليه من نسبة مئوية ضمن تركيبة النظام. ووسائل الإعلام المشاركة فيه مطلوب منها فقط زيادة عدد الزوار الذين تجذبهم لرؤية المحتوى. ويقول تيليجرام إنه لا يشارك البيانات مع أي من الأطراف.
وعلى الرغم من أني لست متفائلاً بنفس درجة تفاؤل السيد لي، لكنني آمل أن يعم نموذج عمل تيليجرام كبديل للنظام التقليدي الذي طورته شركات مثل فيسبوك وجوجل فهو أكثر انسجاماً مع تقنيات الخدمات المالية المتطورة «فين تيك»، ويمكن أن يحقق الأرباح للمشاركين فيه بدون انتهاك خصوصية بيانات المستخدمين.
لكن من الصعب تصور ثورة في طريقة عمل مواقع البحث أو مواقع الإعلام التقليدية. ومن هنا ربما تكون الدعوة لفرض رسوم محدودة على خدمات تلك المواقع مقابل منعها من استغلال بيانات مشتركيها واحداً من الحلول التي تفرضها هيئات التنظيم لحماية خصوصية باتت مهددة ويصعب حمايتها.

* بلومبيرج

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"