صندوق النقد انسحب.. إنقاذ اليونان لم يكتمل

01:36 صباحا
قراءة 4 دقائق
ليونيد بيرشدسكي *

لا شك أن العوائد على السندات التي تصدرها آلية الاستقرار الأوروبي لدعم اليونان، تعطي نتائج سلبية، لذلك يجب على أوروبا أن تتساهل مع شروط سداد ديون اليونان.

يشكل الإغلاق المعلن لمكتب صندوق النقد الدولي في أثينا منعطفاً في برنامج إنقاذ اليونان التي لم يكن للصندوق دور مهم في مساعي إنقاذها، وهو ما يدفع للتفكير مجدداً في ما إذا كانت اليونان قد تم إنقاذها بالفعل من قبل أي طرف آخر.

من الناحية الفنية، لم تعد اليونان بلداً يعاني أزمة. صحيح أن مديونيتها أكبر من مديونية أي دولة أخرى عضو في الاتحاد الأوروبي، كنسبة من ناتجها الاقتصادي، حيث بلغت 180.2 ٪ في نهاية الربع الثاني من العام الماضي، مقارنة بمتوسط الدين العام في الاتحاد الأوروبي البالغ 80.5٪، ولا يوجد ما يدل على تراجعها، لكن المفوضية الأوروبية ترى أن عبء الديون تحت السيطرة، وتتوقع أن الرقم سوف ينخفض إلى 100٪ بحلول عام 2041. وقد ساعدت صفقة الإنقاذ التي عقدت عام 2018، في تسهيل سداد الديون إلى حد كبير.

أما المؤشرات الأخرى، فتبدو سيئة، ولكنها ليست كارثية. فقد انخفض معدل البطالة أخيراً إلى 16.4 ٪ من أعلى مستوى له في عام 2014 والذي بلغ 27.8٪، كما انتقل معدل النمو الاقتصادي إلى النطاق الإيجابي، حيث أشارت توقعات المحللين في بلومبيرج إلى معدلات نمو بنسبة 1.7% عام 2019 ترتفع إلى 2% عام 2020.

من وجهة نظر صندوق النقد الدولي على وجه الخصوص، لم يعد هناك سوى القليل للقيام به في اليونان. في العام الماضي، سددت أثينا في وقت مبكر 2.7 مليار يورو (3 مليارات دولار) من دينها عالي الكلفة، لصندوق النقد الدولي. ولا يزال اليونان مديناً للصندوق بمبلغ 6.3 مليار دولار فقط من إجمالي 340 مليار دولار من الديون الخارجية.

لكن في الواقع، تسببت الأزمة وجهود الإنقاذ في خفض التصنيف الاقتصادي لليونان إلى المستوى الاقتصادي لأعضاء الاتحاد الفقراء الجدد. فقد استقر نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، قرب ما يزيد قليلاً عن ثلثي متوسط مستوياته في الاتحاد الأوروبي. وخلقت الضرائب المرتفعة التي فرضها الدائنون على اليونان اقتصاداً ثانوياً يعد كبيراً بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، كما هو الحال في الدول الفقيرة ودول أوروبا الشرقية الأخرى.

ووفقاً لبيانات هيئة الإحصاء الوطني اليونانية، تراجعت موجة هجرة اليونانيين في السنوات القليلة الماضية، ولكن هذه تعد مشكلة بحد ذاتها أكثر من كونها تطوراً إيجابيا. فقد هاجر 100 ألف يوناني وسطياً كل عام منذ بداية الأزمة عام 2011، وتم تعويض النزوح بجموع المهاجرين من الشرق الأوسط، وهو ما شكل عبئاً إضافياً على الحكومة اليونانية. وتراجعت معدلات تحويلات اليونانيين في الخارج منذ بداية الأزمة.

وتتمتع اليونان أيضاً بمرونة أقل لتعزيز التوسع الاقتصادي بالمقارنة مع دول أوروبا الشرقية. فقد أجبرتها الاتفاقات مع الدائنين على إدارة فوائض الميزانية الأساسية، على الرغم من انخفاض عائداتها الضريبية، حيث تحتاج لكميات أكبر من المال لتغطية خدمات ديونها المتراكمة. وخلافاً لما هو عليه الحال في نظيراتها في أوروبا الشرقية، فإن البنوك اليونانية مثقلة بكميات هائلة من القروض المتعثرة، والتي لا تتراجع بسرعة كافية للسماح للبنوك بتوسيع نطاق الائتمان. فقد بلغت نسبة القروض المعدومة في النظام المصرفي اليوناني 42.1٪ في شهر سبتمبر / أيلول، مقارنة مع 5% في رومانيا مثلاً.

وفي خطاب ألقاه بول تومسن، مدير الإدارة الأوروبية لصندوق النقد الدولي في سبتمبر 2019، أوضح أن أزمة اليونان مختلفة عن الأزمة المعاصرة في إسبانيا وأيرلندا والبرتغال. ففي تلك البلدان، أسفر تبني اليورو عن توسيع حركة الائتمان الخاص الذي أدى إلى «طفرة في الطلب». أما في اليونان فالحكومة هي أكبر الدائنين، حيث زادت المعاشات وبرامج الرعاية الاجتماعية بنسبة 7٪ من الناتج المحلي الإجمالي عبر تبني العملة المحلية.

في النهاية، يجب أن تتعلم النخبة السياسية في اليونان التعايش مع القيود طويلة الأجل. وقد دفعت البنوك اليونانية فاتورة الإسراف الذي شجعت عليه الحكومة منذ عام 2012.

وقد حصل صندوق النقد الدولي على مستحقاته مسبقاً. ولا شك أن العوائد على السندات التي تصدرها آلية الاستقرار الأوروبي لدعم اليونان، تعطي نتائج سلبية، لذلك يجب على أوروبا أن تتساهل مع شروط سداد ديون اليونان. لقد لقنت الأزمة اليونانية دروساً قاسية للنخبة السياسية والمصرفيين اليونانيين على حد سواء. لكن صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي يتمتعان بالحرية في التعامل مع الأزمة التالية بالطرق نفسها، والتي تزيد من آلام الضحية ولا تحملهم سوى القليل من التكاليف.

ليس من الضروري أن يكون العالم عادلاً، لكن ينبغي على دائني اليونان أن يفكروا في تحمل المزيد من الأعباء. فإذا أحرزت حكومة ميتسوتاكيس تقدمًا كبيراً في إنعاش النمو في الاقتصاد اليوناني مرة أخرى، وفي جذب المهاجرين اليونانيين إلى بلادهم، فقد يكون خفض ديون أثينا حلاً موضع ترحيب مع استمرار قيود التقشف وإفساح المجال لدعم الانتعاش بشتى السبل.

* بلومبيرج

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"