خريطة طريق لمحاربة الجهل والفقر

02:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالعزيز المقالح

كان واضحاً منذ عقود، وبعد الانفجار السكاني غير المسبوق، أن أخطر وأصعب المشكلات التي يعاني منها الوطن العربي بخاصة والعالم الإسلامي بعامة تتجسد في الجهل والفقر، وأن هذا الثنائي المخيف كان وراء كل ما حدث ويحدث من صراعات وحروب وخلافات لا يتقبلها العقل ولا يرضى عنها الضمير. وما يؤسف له حقاً أن المعالجات المتبعة حتى الآن لم تلامس هذا الجانب وهو أساس الداء، ولم تقدم حلولاً عملية قادرة على اجتثاثه لذلك فقد ساءت الأحوال إلى أن وصلت إلى حالتها الراهنة. والمحزن أن الأقطار العربية، وربما الأقطار الإسلامية قد شهدت المئات بل الآلاف من التجمعات التي تصف نفسها بمنظمات المجتمع المدني وتدّعي أنها تسهم في حل بعض المشكلات التي تواجه شعوبنا إلا أن الأيام أثبتت أن أغلبية هذه المنظمات إن صح أنها كذلك لم تقدم شيئاً يذكر مما وعدت به واكتفت بأن تبقى مجرد لافتات ديكورية وهياكل بلا مضامين، مما جعل الشباب ينفضّون عنها بحثاً عن وسائل عملية أجدى وطرائق ربما تكون أكثر تأثيراً في الواقع وأكثر اقتداراً على ملامسة الأوجاع التي يشكو منها المواطن هنا وهناك. وفي خطوة قد تشكّل بداية إيجابية لمواجهة الثنائي المرعب الجهل والفقر، نشأت في أحد الأقطار العربية منظمة جديدة لا تحمل صفة المنظمة ودعت إلى إقامة مهرجان سنوي يعمل طوال العام من خلال تجمع ثقافي أدبي وفني، يسعى إلى حشد جهود عشرات الشعراء والفنانين وكتَّاب القصة والمقال والفن التشكيلي لترسيخ مفهوم العلم والعمل في مواجهة «الجهل والفقر» والتأكيد على أن في الإمكان الانتصار على هذا الأخطبوط الثنائي لا من خلال المساعدات والمسكنات الوقتية وإنما من خلال حملات منظمة لمحاربة الفقر أولاً بالعمل وإيجاد أعمال لملايين الأيدي العاطلة المجمدة الطاقات والقدرات والتي لديها ما يمكنها من تحدي هذا العدو الذي أرهق كاهل الشعوب وأفقدها الإحساس بالأمان والاستقرار وفتح الأبواب مشرعة في وجه الريح العاتية التي تهب من الجهات الأربع ولا قدرة لعقلٍ أو لنظام الوقوف في وجه مساراتها وتداعياتها التي قد يتم إخماد نيرانها اليوم لتأخذ دورها في الاشتعال غداً.
وفي توازٍ مع البحث عن أعمال لملايين الأيدي العاطلة تتوالى المطالبة بمحاربة الجهل بتوسيع مساحة التعليم وإنعاش ما كان يسمى بمحو الأمية ورفع وضع التعليم العام والجامعي إلى المستوى العملي المطلوب ليتمكن المؤهلون جامعياً من قيادة التغيير العملي وتحسين الإدارة بعد أن شاخت ووصلت إلى حال لا تختلف كثيراً عن حالة المومياء أو الأجساد المحنطة، وما يصدر عنها من تمكين لحالات الركود واستشراء اللامبالاة، واتساع مساحة الانفصام بين الحلم والواقع، وما يتركه كل ذلك من شعور بالغبن والاندفاع الجاهل غير المدروس إلى تدمير الوطن ومكتسباته المحدودة بدلاً من الإضافة إليها والمحافظة على وجودها بوصفها ملكاً لجميع المواطنين الأغنياء والفقراء على السواء.
أخيراً لا ننسى أن تحالف الفقر والجهل هو الذي -حسب عدد من المفكرين العرب- كان وراء إفساد ما سمي بالربيع العربي وتشويه نتائجه، ولو كانت الجماهير العريضة التي شاركت في صنع ذلك الربيع تعي دورها وتعلم مصلحتها لما انتكست تلك المحاولة، ولما أصبحت بعد كل التضحيات خبراً بعد عين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"