أثار المسلسل الكويتي ساهر الليل وطن النهار الكثير من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، منذ عرض مشاهد غزو صدام حسين للكويت، والتي أحيت جراحاً وآلاماً لدى من عاشوا هذا اليوم الأسود، وعجزت ال22 عاماً التي مضت عليه أن تزيل أياً من آثاره فيهم، كما رسمت صورة لحدث مفزع في عقول ووجدان من ولدوا بعده، لتخلق بداخلهم حالة من الغضب والاحتجاج الإلكتروني ضد تاريخ قاسٍ .
المسلسل يعرض حالياً الجزء الثالث منه، وهو يتناول الحياة في الكويت منذ الستينات، واستعرض في الجزءين الأول والثاني ملامح النهضة والنمو وانعكاسها على الإنسان، وكان طبيعياً أن يتواصل تناول أهم الأحداث التي أثرت في حياة الشعب الكويتي، وليس هناك ما هو أهم من غزو صدام للكويت في العام ،1990 عندما فوجئ الناس بالدبابات والآليات العسكرية تقتحم بلادهم، من دون مقدمات لتفرض سيطرتها الكاملة على جميع الأراضي الكويتية خلال 48 ساعة، وتعلن الكويت المحافظة ال19 في العراق، وكان طبيعياً أن يعيش أهل الكويت مأساة وصدمة نفسية لن يمحو آثارها الزمن بسهولة، وكل ما نخشاه أن تتوارثها أجيال وأجيال وتلقي بظلالها من حين لآخر على العلاقات بين دولتين عربيتين جارتين شقيقتين .
المسلسل ازداد ارتباط الناس به في الجزء الثالث، وأحس كل كويتي شاب أو كهل أن الأحداث التي تدور على الشاشة، إنما تدور عن حياته أو عن حياة أهله بشكل خاص، وأحس كل خليجي أن الحدث يمسه، وأنه أبداً لم يكن بعيداً عنه، وأسهم في ذلك تناوله لهذه المأساة من خلال إطار إنساني يضيء على انعكاساتها على الأسرة الكويتية بمختلف مكوناتها، والتي ازدادت حباً وتماسكاً وترابطاً سواء بين أفرادها وبعضهم بعضاً أو بينها وبين محيطها داخل الكويت أو على مستوى الخليج العربي .
المسلسل دراما تاريخية توثيقية كتبها المبدع الكويتي الشاب فهد العليوة وأخرجها محمد دحام الشمري الذي استعان بعدد من المشاهد الوثائقية عن أحداث الغزو ومزج بينها وبين المشاهد التمثيلية، لتلقي كل منهما بظلالها على الأخرى، ونجد أنفسنا أمام عمل يحرك الوجدان العربي، ويبكي مشاهديه ألماً على حال أمة انفلتت بعض عناصرها، وترك هذا الفلتان آثاره على جميع أبنائها .
المسلسل يبحث في نتائج الغزو، وما تبعه من محاولات صدام إذلال الشخصية الكويتية، وهو ما تجسد في معسكرات الجيش، حيث التفنن في إذلال الأسرى نفسياً وتعذيبهم جسدياً وإهانة رجولتهم وآدميتهم، وأيضاً إذلال الناس وإجبارهم على التزام بيوتهم وإلا فالعواقب وخيمة، ووصلت نتائج الإذلال إلى حد إصابة دبلوماسي برعب وخوفه من الخروج من بيته، وعندما أصرت أسرته على الخروج والذهاب إلى منزل الجد للإقامة فيه مع باقي أفراد العائلة وضعوه في صندوق السيارة!
ساهر الليل وطن النهار أول عمل يتناول أزمة غزو صدام للكويت وهو عمل كان الأرشيف الدرامي الخليجي في حاجة إليه، وإن كنا نتمنى أن يدرك مشاهدوه أن من ارتكب هذه الجريمة نظام صدام، وأن الشعب العراقي ليس مسؤولاً عن حماقاته، بل أن الشعب العراقي كان أول ضحاياه، وينبغي ألا يلقي هذا المسلسل بأي ظلال قاتمة على العلاقة بين الشعبين الشقيقين، وأن يتم التعامل مع هذا الحدث على أنه أصبح جزءاً من التاريخ ودرساً علينا جميعاً أن نستفيد منه حتى لا يتكرر مثله في المستقبل من أي دولة عربية ضد جارتها .
المسلسل لا يخلو من أخطاء مثل استخدام أحد الفنانين جهاز آي فون في اتصالاته أو استخدام سيارات موديل ما بعد ال ،2000 ولكنها أخطاء بسيطة وصغيرة في عمل كبير .
