موسم المفاجآت الكبرى في أمريكا

00:05 صباحا
قراءة 3 دقائق

الطريق إلى البيت الأبيض أصبح مفروشاً بالأشواك، التي لا تؤذي المرشحين للرئاسة الأمريكية وداعميهم وممولي حملاتهم، بل تؤذي الشعب الأمريكي وتنال من حضارته وتهدد مكانة بلاده عالمياً. المعركة الانتخابية التي نتابع فصولها فاقت كل ماسبقها عنفاً وإثارة، إنها معركة المفاجآت الكبرى، تفاجئنا كل يوم بجديد، ولا يستطيع أحد مهما كانت قدراته توقع ما سيحدث في أمريكا حتى 20 يناير المقبل، يوم تنصيب من سيفوز في الانتخابات المقررة في 5 نوفمبر.

كان من المتوقع أن لا يكمل الرئيس جو بايدن فترته الرئاسية، بسبب عوامل السن والظروف الصحية وحالات التيه التي ظهرت عليه في أكثر من مناسبة، ولكن الرجل استطاع أن يغير القناعات، بل وقرر بمساندة من حزبه الديمقراطي الترشح لفترة ثانية وبدأ حملاته الانتخابية حتى موعد المناظرة الكارثية التي ظهر فيها مشوشاً عاجزاً أمام منافسه دونالد ترامب، لينقلب عليه حزبه ومساندوه ومموّلو حملته الانتخابية، وزادت عليه الضغوط لتجبره على التنحّي وهو الإعلان الذي فاجأ كثيرين خصوصاً أن تصريحاته كانت تعكس إصراراً على هزيمة ترامب.

حصول ترامب على ترشيح الحزب الجمهوري أيضاً من الأمور التي كانت مستبعدة، فسجلّه حافل بما أغضب أمريكيين منه فضلاً عن قراراته التي نالت من مكانة أمريكا عالمياً وأثارت ضده دولاً ومنظمات دولية، ومازالت مشاهد اقتحام مؤيديه للكونغرس الأمريكي وتخريب محتويات ماثلة في الأذهان، ومازالت القضايا الكثيرة المتهم فيها بالفساد والتهرب الضريبي والتحرش والاستيلاء على ملفات منظورة أمام القضاء، ومازالت تصريحاته تتسم بعنصرية تثير استفزاز الممولين، ووصل الأمر به إلى حد اتخاذ قرار بترحيل ملايين المهاجرين فور تنصيبه.

محاولة اغتيال ترامب واحدة من المفاجآت الكبرى، فقد كشفت عن الضعف والتخاذل الأمني في أكبر دولة بالعالم، وهي المحاولة التي أجاد استغلالها سياسياً وانتخابياً، بعد أن أطل مهدداً ومتوعداً، ظهر في صورة الرجل الذي لا يُقهر ولا ينال منه الرصاص كما لم تنل منه المحاكمات المتنقلة بين الولايات الأمريكية ولا قاموس ألفاظه المنفلت في محاولاته لهدم منافسيه، ليرتفع رصيده في استطلاعات الرأي، ولكنه الارتفاع المؤقت الذي تراجع بعد ظهور كامالا هاريس كمرشحة محتملة من الحزب الديمقراطي. ترشيح هاريس قلب المعادلات، وجاء كمفاجأة كبرى ليس للرأي العام الأمريكي والعالمي فقط ولكن أيضاً لصناع القرار في الحزب الديمقراطي، وليس فقط باعتبارها سيدة ولا باعتبارها ملونة تنتمي لأصول جامايكية هندية ولكن باعتبار أن خبرتها السياسية محدودة رغم توليها منصب نائبة الرئيس الذي لم تكشف خلاله عن ما يؤهلها لقيادة أكبر دولة.

نعم هي مرشحة محتملة، ولكنها الأكثر حظاً، فهي مرشحة الضرورة التي فرضتها الأقدار بسبب عامل التوقيت، فالمدة المتبقية على الانتخابات لا تعطي الحزب فرصة إجراء انتخابات تمهيدية، ولا تعطي للحالمين من أعضائه بالبيت الأبيض فرصة طرح أنفسهم، بعد أن رشحها بايدن بعد دقائق من إعلانه التنحي، ما أحدث فرصة وحيدة وتفرض الالتفاف حول مرشح واحد ودعمه بكل السبل لتفويت الفرصة على ترامب، ورغم ذلك، يجب انتظار انعقاد مؤتمر الحزب في ال 19 من الشهر المقبل، ففي موسم المفاجآت الأمريكية يمكن أن يظهر جديد يقلب المعادلات خصوصاً أن الرئيس الأسبق باراك أوباما لم يدعمها ولم يرشحها في بيان إشادته بانسحاب بايدن من السباق الانتخابي.

عدم ترشيح أوباما لكامالا من الأمور المثيرة للاستغراب، حيث تعود صداقتهما إلى ترشحه لعضوية مجلس الشيوخ عام 2004. وكانت أول صاحبة منصب بارز في كاليفورنيا تؤيده خلال محاولته الرئاسية عام 2008، وأوباما لم يحجم فقط عن ترشيح هاريس بل قال في بيانه «سنُبحر في مياه مجهولة في الأيام المقبلة، لكن لديّ ثقة بأن قادة حزبنا سيكونون قادرين على خلق عملية يخرج منها مرشح متميز». قد يتغير هذا الموقف بعد أن أعلنت حصولها على دعم العدد الكافي من المندوبين وبعد التفاف الممولين حولها.

لا أحد يعرف من سيكون الرئيس القادم، ولكنّ الكل يعرف أن الأيام المقبلة ستفرز الكثير من المفاجآت، فترامب يرى هاريس «بلهاء مجنونة هيستيرية»، وهي تراه «مجرماً ومتحرشاً وفاسداً ومكانه خلف القضبان»، وهي توصيفات تعكس حجم الفجوة بين المرشحين والحزبين اللذين يتبادلان حكم أمريكا منذ سنوات طويلة.

المفاجآت لن تتوقف عند إعلان الفائز بالانتخابات ولكنها قد تستمر بعدها، خصوصاً بعد تهديد سيناتور جمهوري هو جورج لانغ من حرب أهلية حال عدم فوز ترامب، وهو إعلان يؤكد أن هذا الأخير لن يقبل بالهزيمة وقد تشهد أمريكا فصلاً أشد دموية مما شهدته عند اقتحام مبنى الكابيتول بعد هزيمته في الانتخابات السابقة. ترامب يريد أن يكون زعيم التغيير في أمريكا، ولو لم يأت التغيير بإرادة الناخب فقد يفرضه بإرادته ودعم مؤيديه، وهو ما يمكن أن يغير وجه أمريكا للأبد ومعها وجه العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2hm5u9xc

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"