سقيا الإمارات

03:03 صباحا
قراءة 6 دقائق
بقلم: د . عارف الشيخ
يتميز صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بأنه يملك قدرة على اختيار الوقت المناسب، لإنشاء العمل المناسب، في المكان المناسب للرجل المناسب أو للجهة المناسبة .
وعودنا سموه أن يطلق في كل رمضان مبادرة جديدة تناسب شهر العطاء، ففي هذا العام 1435 الموافق 2014 أطلق مبادرة سقيا الإمارات، وهو في مثل هذه المواقف يترجم ما يدور في خلد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة .
سمعت عن هذه المبادرة، وأنا في ميونخ بألمانيا، حيث قضيت أنا والأهل ثلاثة أرباع رمضان هذا العام خارج الوطن،
نعم، . سمعت عن سقيا الإمارات، والإمارات هي الدولة التي لم تفكر في إسعاد شعبها فقط، بل تسعى لإسعاد الإنسان أينما وجد .
ونلاحظ دائماً أن الشيخ محمد بن راشد في كتبه وأحاديثه، لا يتحدث عن السعادة، بل عن الإسعاد، والفرق بينهما أن السعادة قاصرة على الشخص نفسه، أما الإسعاد فهو توفير الطمأنينة للآخرين .
كما أن سموه يركز على السعادة، لعلمه أن هناك فرقاً بين اللذة والفرح والسعادة، رغم أن هذه الثلاثة كلها توجد للإنسان حالة من الارتياح،
لكن اللذة هي ارتياح آني، ربما للحظة أو لساعة، والفرح يوجد لك ارتياحاً أيضا، لكنه مرتبط بحالة معينة، ربما في الصيف، وربما في الشتاء، أو ربما عندما تكون في السفر أو عندما تعمل عملاً مّا .
أما السعادة فهي ارتياح كلّي وشامل، لذلك فإن الله تعالى قال "وأما الذين سُعدوا ففي الجنة خالدين فيها" . الآية 108 من سورة هود، وصف الله تعالى تلك الحالة بالسعادة وليس باللذة والفرح، لأنها دائمة من غير انقطاع .
أجل ولله المثل الأعلى، لنا في ذلك أسوة حسنة، فالله تعالى يحب من عبده أن يتقرب إليه بما يحبه، وهل هناك عمل أفضل من أن تنقذ إنساناً من الهلاك؟
ثم هل هناك أفضل من الماء في حياة الإنسان، وقد قال تعالى حكاية عن أهل النار "ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين" الآية 50 من سورة الأعراف .
يقول القرطبي في تفسير هذه الآية إنها دليل على أن سقي الماء من أفضل الأعمال، ثم قال معلقاً على أمره صلى الله عليه وسلم لسعد بن عبادة أن يتصدق عن أمه بالماء، فدل على أن سقي الماء من أعظم القربات عند الله تعالى .
وقد قال بعض التابعين : من كثرت ذنوبه فعليه بسقي الماء، وذكر المنذري في الترغيب والترهيب عن علي بن الحسن بن شقيق، قال سمعت عبدالله بن المبارك، وقد سأله رجل قائلاً يا أبا عبدالرحمن: قرحة خرجت في ركبتي منذ سبع سنين، وقد عالجتها بأنواع العلاج، وسألت الأطباء فلم أنتفع به، قال: اذهب وانظر موضعاً يحتاج الناس إلى الماء، فاحفر بئراً، فإني أرجو أن ينبع هناك عين ويمسك عنك الدم . ففعل الرجل فبرأ بإذن الله تعالى رواه البيهقي .
ثم إن ما يفعله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أو يفعله أيّ محسن من المحسنين من حفر الآبار في المناطق المحتاجة، لا يستفيد منه البشر فقط، بل الإنسان والحيوان والطير وكل هوام الأرض، فالأجر ليس مقصوراً على الإنسان بل على كل مخلوق تدب فيه الروح .
وقد ورد في الحديث الصحيح: بينما رجل بطريق فاشتد عليه العطش، فنزل بئراً فشرب منها ثم خرج، فإذا بكلب يأكل الثرى من العطش، فقال لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، ثم رقي فسقى الكلب، فشكر الله تعالى له فغفر الله تعالى له، قالوا يا رسول الله أإنّ لنا في البهائم أجراً؟ قال في كل ذات كبد رطبة أجر . رواه البخاري .
وفي رواية أن الذي سقى الكلب، بغيّ من بغايا بني إسرائيل، ومع ذلك فإن الله تعالى غفر لها مقابل هذا العمل الطيب الذي يحبه الله تعالى، فكيف عندما يفعله مسلم مؤمن بالله تعالى؟
وبالمناسبة فإن الحديث عن سقيا الإمارات التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وهي مبادرة إنسانية، يجرنا إلى الحديث عن مشاريع الخير ووجوه الإنفاق لدولة الإمارات وحكومة دبي عامة .
ولقد كفى ما رأيته في سفرة علاجي هذه إلى ميونخ، حيث رأيت قنصلية دولة الإمارات تفتح أبوابها يومياً أمام هذا الكم الكبير من المبتعثين للعلاج على نفقة الدولة أو على الحكومة المحلية، والعلاج في الخارج مكلف، والمرضى يبقون في رعاية الدولة لأشهر، ومع ذلك فإن الدولة وحكومتنا تنفق من غير تأفف، وقد رأيت من بينهم غير المواطنين يتعالجون أيضاً، ليس في ألمانيا فقط، بل في العديد من دول العالم،
هل يا ترى يدرك أهل الإمارات قيمة هذه الخدمات، أو قيمة هذه النعمة التي هم فيها؟ وهل لنا بعد هذا أن نعترض أو ننتقد الحكومة إذا فرضت رسوماً على العلاج في مستشفياتنا أو رسوماً على الطرق أو على أيّ إنجاز؟
بعد أن علمنا أن تلك الرسوم لا تمثل واحداً في المئة مما تقدمه لنا حكومتنا من خدمات داخل الدولة وخارجها،
لذلك بعد أن انتهت فترة علاجنا، كانت لي هذه الخاطرة التي عبّرت عنها بهذه القصيدة عرفانا مني بالجميل:

جئتك اليوم من ميونخ أشدو

يا جلالا كسوت أجبال ألْب
                    يا جَمالا حللتَ في كلّ قلب
يا كمالا أراهُ في كلّ حُسن
                    يا خيالا يُغرى به "المتنبّي"
يا نوالا قد عَمّ كلّ البرايا
                    يا زُلالا أحال جدبا لِخصب
أنا ما اشتقتُ في اغترابي لشيء
                  كاشتياقي إليك "فارسَ عُرب"
وطني أنت في فؤادي مقيمٌ
                 وملاذي ومُنعمي بعدَ ربّي
مُنيتي أن أراك دوماً عِياناً
                  وأناجيك دونما أيّ حُجب
بدبيّ الأمان أزهو، "دبي"
                   جاءها الخائفون من كل حَدب
راقني نهرُ "إيزر" بيد أنيّ
                  لم يُثر "إيزر" كما ال"خُور" عُجبي
يا طبيبَ النفوس في نائبات
                   يا سريعَ الإنجاد ساعةَ كَرب
جئتك اليومَ من "مُيونخ" أشدُو
                  أنت سهّلتَ لي طريقا لِطبّ
قد تلقيتُ من "فَرنْك" علاجاً
                   وتلقّت أمّ العيال بجنبي
وكلانا توقّع البرءَ لكن
                  كان إيجابُ برئنا هو نِسبي
لدُبيّ إذ عدتُ كنتُ كمَن بَع
                   دَ طبيب غدا ل"عين مضَب"
قيل عنا العيونُ قد حسَدتنا
                     قيل نحتاج رُقيةً من مُربّي
قلتُ ويح العلاج هل بعد "ألما
                  نَ" لراق نخطو الخُطا ولعُشب؟
ماالذي قد تحقّق اليوم من طِب
                 بٍ إذا لم نزل نلوذُ ل"دِيرْبي"؟
سيّدي كاد أن يُهلّ علينا الش
                شهرُ كدنا نقضيه خارج سِرب
فشددتُ الّرحالَ للعود لكنْ
                بقيت زوجتي لتأتي عُقبي
لدبيّ عدتُ وإني إذا عُد
               تُ إلى موطني ومَربع صَحبي
في ليالٍ كالقَدر ما أنا بالمُو
                   في بعهدٍ إن لم أبُحك بحبيّ
فبعيني رأيتُ مَرضى وبعثا
                   تٍ وما تنفقونه ملءُ رَحب
بل رأى ما رأيتُ كلّ مريض
                  وسليم من كلّ أطيافِ شعب
للإمارات سابغاتُ الأيادي
                    و"دبي" فيها كمِحور قُطب
يا مُعينَ الملهوف طيلةَ عام
                   أنت شهرُ العطا لشرق وغرب
أنت نورُ الأبصار في أعين العُم
                     ي استعادوا عُيونَهم بعد نَضب
أنت "سُقيا" أطلقتَها من جديد
                    فارتوى التائقون منها لشُرب
يا أميرَ القصيد هل بعد هذا
                     تبتغيني أفِي بحق المُحبّ؟
كيف تبغي أفِي بحقّك واستن
                   فدَ منّي مَحابري بل وكُتبي؟
هل أجاز يك مُحسِنا وجزا الإح
                         سانِ فرضٌ به تكَفّل ربي؟
لا، و لالا، و ألف لالا، و لالا
                       حسبُكَ الله جازيا بل وحَسبي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"