سوريا.. الصراع المفتوح

03:57 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

في خضم الأزمات الكثيرة التي يشهدها العالم، تبدو الأزمة السورية، من أكثر هذه الأزمات تعقيداً، وذلك لأسباب جيوسياسية وإقليمية ودولية، بسبب تضارب مصالح أصحابها، بما يحول دون التوصل إلى حل سلمي مقبول لها.
وعلى الرغم من التقدم الملحوظ الذي يحرزه الجيش السوري، في معارك الشمال، حيث تتركز آخر معاقل المعارضة، والتنظيمات الإرهابية، كجبهة النصرة وغيرها، إلا أن هذا التقدم لا يعني على ما يبدو نهاية قريبة للأزمة السورية المستفحلة، نظراً لتضارب المصالح الإقليمية والدولية على الأرض السورية، التي باتت ساحة تصفية للحسابات.
ولعل هذا الواقع هو الذي سيفرض على الدول المتورطة في النزاع السوري إعادة تقييم أهدافها السياسية، ولا سيما أن هذا الصراع القائم حالياً مرشح للاتساع، الذي قد يؤدي إلى انفجار واسع، ما لم تتسلح أطراف النزاع برغبة حقيقية لإنهائه بالسرعة الممكنة، وتقديم تنازلات، قد تفضي إلى حل مقبول، إن خلصت النوايا.
لكن المتابع لتسلسل الأحداث على الأرض السورية في الأشهر القليلة الماضية لا يمكنه تجاهل التعقيدات التي جلبها التدخل الأجنبي، ولا سيما الأمريكي و«الإسرائيلي» والتركي، وهو ثالوث لا يرغب على ما يبدو في رؤية نهاية لهذا الصراع، حرصاً على مصالحه وأطماعه الخاصة.
على الرغم من الفرصة الكبيرة التي منحت لأنقرة للتعامل مع ما يجري داخل «منطقة خفض التصعيد» الوحيدة المتبقية في إدلب، وفرز المجموعات المصنفة إرهابياً، وتجريدها من أسلحتها، عملاً بتفاهمات أستانا وسوتشي، إلا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا يريد في الواقع صداماً مباشراً مع تلك المجموعات الإرهابية، وإنما إبقاءها ورقة ضغط يستخدمها لفرض شروطه سواء في سوريا، أو على المستوى الإقليمي، كما جرى في تعامله مع الوضع في ليبيا، على الرغم من أنها مجموعات تقع أيضاً ضمن التصنيف التركي للإرهاب، فضلاً عن الأطماع التركية التي لم تعد تخفى على أحد في الأراضي السورية، ولا سيما منطقة إدلب، حيث تعلن أنقرة صراحة عدم رغبتها في الانسحاب من الأراضي السورية، على الرغم من تشدقها بأهمية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وهو ما يجعل من قواتها قوات احتلال.
أما الولايات المتحدة التي برعت في استخدام معزوفة الإرهاب، ومحاربة تنظيم «داعش» حجة للتدخل في شؤون المنطقة، والسيطرة على خيراتها، كما فعلت عندما احتلت مناطق في شمال شرق سوريا، لسرقة النفط السوري علناً، وباعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه، فإنها هي الأخرى لا تبدو معنية بإنهاء الصراع في سوريا بقدر ما هي معنية، باستخدام الساحة السورية، ورقة مساومة في خلافاتها مع روسيا في ملفات أخرى، على الرغم من أن إنهاء ملف جبهة النصرة والجماعات الأخرى المشابهة، قد يمهد، السبيل لحل سياسي.
وإذا نظرنا إلى دور «إسرائيل»، فإنها تبدو من أكثر الأطراف رغبة في استمرار هذا النزاع الدموي في سوريا، لأسباب تتعلق برؤيتها الاستراتيجية، حيث تسعى إلى إبقاء المنطقة العربية المحيطة بها ممزقة وضعيفة، بهدف بسط هيمنتها عليها، بالتعاون مع شريكها الأساسي وداعمها الأقوى الإدارة الأمريكية.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أيضاً الأوضاع في شمال شرقي سوريا، التي تقع تحت سيطرة كردية تحت غطاء ما يعرف ب «قوات سورية الديمقراطية» (قسد)، فإن الوضع في هذا البلد يزداد تعقيداً، وخاصة بعد نشر واشنطن منظومة رادارات متطوّرة في أكثر من نقطة هناك، وهو ما يشير إلى نية واشنطن الحفاظ على تواجد دائم لها في جزء مهم من التراب الوطني السوري.
إزاء كل ما تقدم يبدو أن الأزمة السورية في طريقها إلى المزيد من التصعيد، مع تداعياته الخطرة، على الصعيد الإنساني، خصوصاً في ظل موجة النزوح الكبيرة التي خلفتها العمليات القتالية في إدلب ومحيط حلب، وتداعيات ذلك على أحد أبرز الأطراف اللاعبة على الساحة السورية، وهي تركيا، حيث يمكنها استعمال ورقة اللاجئين من جديد لابتزاز الغرب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"