شلل الإرادة وطغيان الخوف

05:07 صباحا
قراءة 3 دقائق

كل تجمع في وحدة أو مؤسسة أو مجتمع سواء أكان على مستوى السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع، تحكمه أنظمة تتلاءم وطبيعة وظروف ذلك التجمع. من هنا دعنا نطرح الأسئلة التالية: ما الذي يحكم مؤسسة القمة العربية بحيث تستطيع أن تبقى بعيدة عن ومتذرجة على محرقة القرن الواحد والعشرين الصهيونية في غزة؟ ما الذي يضبط إيقاع هذه المؤسسة بحيث تتصرف بقلب قاس كالحجر لا تحركه دموع أطفال غزة المذعورين ولا استغاثات نسائها الثكلى، ولا أشلاء ودماء شبابها المحاربين بأظافرهم وأياديهم، بإباء وصبر، آلة الاغتيال الصهيونية العمياء، ولا يستفزهم محو كل ما في غزة لجعلها أرضاً من أراضي اليباب؟ ما هو السر الذي وراء هذا الحياد الشعوري البارد وذلك السكون العقلي المظلم الذي يذكر بهدوء ليل المقابر، فلا احتجاج ولا أنين ولا حركة ولا دبيب حياة، لكأن القمة العربية قد دخلت البرزخ وتاهت فيه؟

البعض من المحللين في أيامنا الحالية السوداء، كما في الماضي، ركز في تحليله على دواعي اللعب السياسي: انقسام الأنظمة العربية إلى معسكرات واستزلامات مرتبطة بعضها بالصراعات الدولية، الخوف من انتقام الحركة الصهيونية العالمية في حقول المال والاقتصاد، التوجس من أي انتصار لأية مقاومة شعبية، وعلى الأخص الإسلامية، لأنها ستكون مقدمة لانتفاضات شعبية في الداخل ولتحقيق مفاجآت انتخابية كلما سنحت الفرصة.

ولكن، هل أن الأمر يقتصر على مماحكات وصراعات السياسة أم أنه تعدى الى ما هو أبعد من ذلك؟ ذلك أن التصرف العربي الرسمي في هذه المرة يشير الى شروخ ذهنية وإنسانية وقومية وأخلاقية. إنه تصرف يشير إلى ظواهر تضرب في العمق.

إنه أولاً يشير الى أن النفوذ الأمريكي قد أحكم سيطرته التامة على كل دوائر اتخاذ القرار في الأرض العربية. إن العرب قد تراجعوا تاريخياً إلى الوراء لمسافة قرنين من الزمن. إننا بالفعل نعيش عصراً استعمارياً جديداً، إذ إن روح الاستعمار هو فقدان قدرة المستعمر على اتخاذ أي قرار بإرادته الحرة. لقد شلت إرادة العرب تجاه كل تصرفات أمريكا الظالمة اللاإنسانية في طول الأرض العربية وعرضها. إن واشنطن قد أصبحت عاصمة الخلافة، هي الآستانة، والرئيس الأمريكي هو خليفة المسلمين. إن هذه الرمزية التاريخية قد قضت على قرنين من كفاح وتضحيات هذه الأمة.

إنه ثانياً دخول القيادات الرسمية العربية في حجرة الخوف المظلمة، وليست هذه فذلكة كلامية. إن مؤسسة القمة العربية قد أصبحت مرعوبة بتصور وجود الأشباح في كل زاوية تحيط بها. إنها ترى في شعوبها أشباحاً تريد الانقضاض عليها، وفي أمريكا شبحاً يخيفها، وفي إسرائيل شبح القضاء الذي لا يرد، وفي المقاومة شبح الشيطان الموسوس، وقضية الخوف في السياسة هي من أخطر القضايا التي تواجهها أية أمة. من هنا كان قول الرئيس الأمريكي فرنكلين روزفلت الشهير، من أن الشيء الوحيد الذي يجب أن يخافه الإنسان هو الخوف نفسه، من هنا القول الاسباني: إن حياة الخوف هي نصف حياة، إن الرئيس السوفييتي الأشهر، جوزيف ستالين، كان دائماً يردد بأنه يريد موالين له بسبب الخوف وليس من خلال الاقتناع، وهذا بالضبط ما توصلت إليه أمريكا في تعاملها مع الغالبية الساحقة من القادة العرب: موالاة الخائفين، لا المقتنعين.

لقد دخلت مؤسسة القمة في هذين النفقين: فقدان الإرادة وشلل الخوف وهما يكوّنان أحد أهم ما يحكم تصرفات هذه المؤسسة.

لو أن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بعث اليوم لأعاد على مسامع الرافضين لأية مواجهة مع العدوين الفاجرين خطبته الشهيرة وذلك باسم الملايين الذين خرجوا الى الشوارع في العالم كله: منيت بمن لا يجيب إذا دعوت، لا أب لكم ما تنتظرون بنصركم ربكم؟ أمَا دين يجمعكم، ولا حمية تحمشكم (تغضبكم)؟.. فما يدرك بكم ثأر، ولا يبلغ بكم مرام، هل نحن الملايين نبالغ في اشمئزازنا وقلقنا؟ لا والله.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"