طبيعتنا على المحك

03:43 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

طرح المؤرخ الشهير ويل ديورانت يوماً سؤالاً: إلى أي مدى تغيرت الطبيعة البشرية على مدار التاريخ؟، وهو سؤال شائك ينتمي إلى حزمة حقول معرفية لا تبدأ بالفلسفة ولا تنتهي بعلم النفس، مروراً بالأخلاق والسلوك. ولكن ديورانت خاض المغامرة وعبر تحليلات عدة توصل إلى أن التغير الذي اعترى طبيعتنا طفيف، ويتعلق بالبيئة والشرط الاجتماعي ويرتبط بالقشور فقط ، ولا يمتد إلى جوهر إنساني تميز دوماً بالثبات .
توفي ديورانت في عام 1981، وترك السؤال والإجابة في حاجة إلى مزيد من البحث. ففي مصر ومنذ أسبوعين، قام طفل يبلغ من العمر تسع سنوات، بتصوير والده وهو يقتل والدته عبر هاتفه المحمول، ولم تصل النيابة إلى فك لغز الجريمة إلا عندما قدّم ذلك الطفل الفيديو الذي صوّره إلى فريق التحري.
هذا الطفل لم يبك أو يصرخ أو يستنجد بأحد الجيران، أو يتدخل بين والديه علّه يستدر عطف الأب، لم يذهب للاختباء هلعاً في مكان منعزل في المنزل، لم يحاول الهرب، ولم يغلق عينيه وهو يحلم بنهاية المشهد أو تغيره كما يفعل ملايين الأطفال، ولم يصب بإغماء بعد وفاة والدته بهذا الأسلوب، أي لم يفعل أي شيء معتاد نتوقعه من طفل، بل لقد امتلك رباطة جأش وحافظ على قوة أعصاب لا يتحلى بها معظم الكبار من الأسوياء في مثل هذه المواقف.
ما حدث واقعة نموذجية تحتاج إلى استعادة ديورانت، الذي كان سيسأل عن وضع الطفل الاجتماعي، بالتأكيد هو ينتمي إلى شريحة «المستورين» من الناس، حيث يشتري الأهل للأطفال الآن هواتف محمولة، أو على الأقل يسمحون لهم باستخدامها، وبالطبع هو يذهب إلى المدرسة، ويتلقى تعليماً يتضمن منظومة تربوية وأخلاقية تحتاج إلى مراجعة. ما سيتوقف أمامه ديورانت حائراً ذلك الولع بالتصوير، الذي ربما، من خلال هذا الطفل وغيره، يسهم إلى حد كبير في تغيير الطبيعة البشرية.
قبل عدة عقود، حذر العديد من المحللين والمفكرين من خطر الصورة الفوتوغرافية أو السينمائية، وكيف تتلاعب بعقولنا وتسهم في تزييف وتغيير الحقائق، ولكننا الآن انتقلنا إلى مرحلة أكثر تطوراً، ونعني بها هوس الإنسان العادي بالتصوير، فأحياناً نقرأ عن تصوير أحدهم لنفسه وهو يقدم على الانتحار، بما يتنافى مع أزمة طاحنة دفعت صاحبها لكي ينهي حياته بنفسه، أزمة لا تترك للإنسان «الطبيعي» فرصة التفكير في أي شيء آخر.
الأخطر أن الموقع الذي نشر واقعة الطفل، بدأ الخبر وكأن المحرر معجب بقدرة الطفل وشجاعته على توثيق الحادثة، فهل بدأ قبول التغيير في طبيعة الإنسان يتسلل إلينا من دون وعي؟.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"