على هامش التاريخ

03:17 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

أصبحت الهند خامس أقوى اقتصاد عالمي، وفق تقرير أحد المراكز البحثية الإنجليزية، متجاوزة بذلك بريطانيا وفرنسا. وفي 2017، احتلت المركز السابع بحسب تقديرات الأمم المتحدة، وفي العام نفسه جاءت في المركز السادس وفق البنك الدولي، ويتوقع البعض بأنها ستصل إلى المركز الثالث في عام 2030، لتتخطى ألمانيا واليابان، والبعض يعود بأسباب تلك القفزات إلى سوق العمل الضخم، حوالي 68% من السكان، مع الأخذ في الاعتبار بأن الهند ستحتل قائمة أكثر بلدان العالم سكاناً في السنوات القليلة المقبلة، فضلاً عن تحليلات تشير إلى تخلص الحكومة الهندية من البيروقراطية، والتركيز على التعليم التقني.
لكن ونحن نتأمل نجاح الهند، علينا أن ننظر إلى جوانب أخرى من تلك التجربة، في الهند 22 لغة رسمية، فضلاً عن أديان العالم بأكملها، ومزيج عرقي متعدد، أما الثقافة التقليدية فمؤسسة على نظام طبقي راسخ وصارم.
بدأت قصة التدخل الأجنبي مبكراً في الهند مع «شركة الهند الشرقية» الإنجليزية سيئة السمعة في القرن السابع عشر، ولم تلبث بريطانيا أن احتلت هذا البلد لما يقرب من مئة عام (1858-1947)، ولم يحكم الاستعمار تلك المنطقة الشاسعة مباشرة، بل عبر ولايات عقدت معاهدات مع بريطانيا، ومارس الاستعمار لعبته الأثيرة، فرق تسد، ما أدى إلى انفصال باكستان وبنجلاديش بعد خروج الإنجليز.
تتقاطع في الصورة السابقة كل عوامل «الخروج من التاريخ»، والتعبير لفوزي منصور، وكان يقصد به العرب، حيث أمضى الكثير من مفكرينا حياتهم في تحليله وتقديمه لنا بوصفه من أسباب التراجع والانحطاط والتخلف، ولكن من جانب آخر لا يمكن مقارنة الحالة الهندية بالعربية، نحن لدينا لغة واحدة ولم نعان التدخلات الأجنبية لما يقرب من ثلاثة قرون. حتى منتصف القرن التاسع عشر كان محمد علي يحلم بأن يؤسس لمنطقة عظمى في العالم، ولا يوجد في بلادنا كل هذا التعدد العرقي والديني، ومهما احتوت ثقافتنا على قيم يصفها البعض بالتخلف فلا يمكن تشبيهها بنظام طبقي قدري أو مصيري كما نقرأ في الأدبيات الهندية، أي أن المقارنة ليست في صالحنا على المستويات كافة، وهنا لا مفر من السؤال المحرج والأبدي: «أين الخلل»؟
الهند ليست فريدة في نجاحها، فالمجاعة الصينية الكبرى التي راح ضحيتها الملايين حدثت بين عامي (1958-1961)، هذا فضلاً عن نجاح تجارب آسيوية عديدة في زمن قياسي. إذن تقدم الجميع وظل العرب كما هم، البعض لديه التفسيرات الجاهزة، من قبيل: المؤامرة والقضية الفلسطينية ومركزية منطقتنا في جغرافية العالم..الخ، وهي تفسيرات تحتاج إلى المراجعة بدورها، فتكرارها وهيمنتها على الذهنية العربية سيفقدنا مكاننا حتى على هامش التاريخ.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"