عندما نبتعد عن الغرب قليلاً

03:44 صباحا
قراءة 4 دقائق

ربما يبدأ تعليقنا على الاجتماع الوزاري الثاني للحوار الآسيوي الشرق الأوسطي الذي استضافته مدينة شرم الشيخ المصرية بتعليق آخر لوزير الخارجية المصرية احمد أبو الغيط. فهو ذكر للصحافيين معلقاً على غياب الوفد السوري عن المؤتمر الذي دعيت إليه دمشق: انتبهنا لغياب السوريين في ثاني أيام الحوار. فهذا التعليق هو أبلغ نتيجة للوضع العربي الذي ننتظره على مدى الأشهر المقبلة خصوصاً في ظل غياب مصر والسعودية ودول عربية أخرى عن قمة دمشق الأخيرة. ولا نقصد هنا غياب التمثيل العربي فكلنا يعلم أن مصر والسعودية وغيرهما من الدول شاركت في القمة بممثلين على مستويات مختلفة، لكن المقصود هنا المشاركة على مستوى القادة أو الزعماء.

المشكلة أن العرب لم ينأوا بمشكلاتهم السياسية التي أصبحت مزمنة، بعيداً عن أعمال الحوار الذي دار أساساً على ثلاثة محاور رئيسية شملت أمن الطاقة العالمي وسبل تعزيز التعاون بين آسيا والشرق الأوسط في مواجهة الإرهاب الدولي والتغيرات السياسية والإصلاح في منطقتي الحوار.

إن أي طرف عربي يشارك في ملتقى أو حوار سواء كان إقليمياً أو عالمياً لا يستطيع أن يتحدث في لب هذا الحوار من دون التطرق إلى مشكلات المنطقة المستعصية وخاصة السياسي منها، إذ يرى أن من مهامه الأولى أمام أي ملتقى هو أن يلقي بالقضايا السياسية في أتون المناقشات وليس مهماً بعد ذلك بحث الملفات المخصصة لهذا الحوار أو الملتقى.

وهكذا كان الحال في الحوار الثاني لوزراء خارجية آسيا - الشرق الأوسط حيث تغلبت على كلمات الوفود العربية قضيتهم المزمنة وهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ثم التطورات العراقية مروراً بالأزمة اللبنانية، والأطراف العربية لم تكن موفقة وهي تحاول أن تفرض هذه المسألة على أجندة الحوار، فهو ليس مخصصا لبحث القضايا السياسية بشكل رئيسي وإنما خصصت جلساته لمناقشة تدشين منطقة تعاون

مثمر وخلاق بين دول وشعوب آسيا والشرق الأوسط.

ونعلم جميعاً، أن إقحام مثل هذه المشكلات السياسية في هذه المنتديات يفسدها وربما هذا يفسر لنا كيف تدارك المشاركون الموقف وحولوا دفة النقاش في وقت لاحق إلى بحث قضية أهم وهي الإرهاب. وكان لزاماً على المشاركين في الحوار عدم تجاهل قضية الإرهاب لا سيما وأنهم يبحثون مسألة إمدادات الطاقة وما يتبعها من تعاون اقتصادي.

ومن الضروري التوقف قليلاً عند إعلان شرم الشيخ الخاص بالحوار، فقد أكد دعم مبادرة عقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب برعاية الأمم المتحدة للتعامل مع هذا الخطر المتزايد والإقرار بأهمية المراكز القائمة لمكافحة الإرهاب في آسيا والشرق الأوسط والموافقة على إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب، علاوة على المطالبة بأن تكون منطقة جنوب شرق آسيا خالية من الأسلحة النووية مع دعم إنشاء منطقة شرق أوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل.

ويقودنا الحديث عن منطقة خالية من الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل الى نقطة مهمة أخرى وهي أن اقتصاديات منطقة الحوار تشهد معدلات نمو مطرد. ولهذا فإن أي توتر أو عدم استقرار سيؤثر سلباً في دول المنطقتين، وقد استغلت مجموعة الدول العربية المشاركة في الحوار هذه النقطة لتطرح كما أسلفت، بعض قضاياها السياسية العالقة مثل القضية الفلسطينية إذ أن لفت الأنظار الى قضية الصراع العربي الإسرائيلي في هذه المحافل يمنحها زخماً آخر خاصة في ظل تداعي الاهتمام الدولي بها نظرا لسيطرة الولايات المتحدة على الأمم المتحدة ومجلس الأمن وفرض السياسة الأمريكية على الاتحاد الأوروبي في أمور شتى من بينها هذه القضية.

ويشدنا الحديث عن القضية الفلسطينية للتطرق الى تطورات الأوضاع في العراق فالوضع هناك يقع في لب أعمال الحوار المشار اليه، فمسألة العنف في العراق، وعدم سيطرة الحكومة المركزية على الأوضاع الأمنية أمر من شأنه جعل إمدادات الطاقة أمراً صعباً خلال الفترة المقبلة. فالعنف هناك قد تتسع دائرته لتطال الدول المجاورة وهي المورد الرئيسي للطاقة الى دول شرق آسيا الصناعية.

لقد عقد الحوار الآسيوي الشرق أوسطي في ظل متغيرات دولية متلاحقة وتوترات إقليمية وظواهر اجتماعية وثقافية غير مسبوقة فرضت بفعل تأثيرات العولمة تشابكا غير مسبوق في العلاقات الدولية ونفاذا إلى مختلف مجالات حياة الإنسان تخطيا في أحيان كثيرة للسيادة الوطنية.

ويتعين أن نشير هنا الى أن دول الشرق الأوسط قد دخلت طرفا في الصراع الدولي من دون رغبة منها، الأمر الذي انعكس على استقرار المنطقة وأمنها وعلى مشاريع التنمية فيها ومستقبلها الاقتصادي وعلى بيئتها الاستثمارية التي أصبحت طاردة للسيولة ورؤوس الأموال الشرق أوسطية رغم حاجة اقتصادياتها الماسة إليها.

ولهذا فإن المطلوب الآن هو بناء حوار متكافئ مبني على أساس المصالح المشتركة وتكافؤ الفرص بين منطقة الشرق الأوسط ودول آسيا. ولا بد أن يتجاوز هذا الحوار التحديات المتزايدة التي تعاني منها منطقتا الشرق الأوسط ودول آسيا، ويستطيع الطرفان تجاوزها وتخطيها من خلال تعزيز العلاقات والشراكة على مختلف مساراتها في ضوء رؤية مشتركة واقتسام المنافع والفرص.

* كاتب بحريني

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"