عواصف اليمين المحافظ المتجهة نحونا

03:04 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. علي محمد فخرو

في الولايات المتحدة الأمريكية يتكون بصورة متنامية تيار محافظ أصولي يميني متطرف. في السياسة يتبنّي كلّ الشعارات العنصرية المعادية للمسلمين، والمهاجرين، وكل الأطروحات الرافضة لوجود دولة الرعاية الاجتماعية.
وفي الاقتصاد يتبنّي التيار الأسس التي تقوم عليها النيوليبرالية الرأسمالية العولمية، وفي مقدّمتها الحرية التامة للسوق، وعدم تدخل الدولة لتنظيمه، والحدّ من مخاطر مغامراته المؤدية إلى نشر مزيد من الفقر، ومن تهميش الطبقة الوسطى. وفي الاجتماع، معاداة سافرة لكثير من حقوق المرأة، بل وإرجاعها إلى البيت كتابعة للزوج تحت مسمّى «العائلة الطبيعية».
وكانت الضحية لكل ذلك المشهد العبثي للديمقراطية الليبرالية التي عرفت بها أمريكا منذ تأسيسها كدولة، خصوصاً بعد إقحام هلوسات وخرافات بعض الجماعات الدينية الرجعية في تبرير شعارات ذلك التيار.
قابل ذلك المشهد الأمريكي مشهد أوروبي مقلق، تمثل في صعود حركات شعبوية غوغائية، منغلقة على ذاتها، ومتعصبة ضد الآخر الأجنبي، ومعادية لأوروبا الموحّدة، ومتراجعة عن فكرة دولة الرعاية الاجتماعية بخدماتها الإنسانية. وفي كثير من أطروحاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتماثل مع أطروحات التيار الأمريكي المحافظ الجديد.
وكمثال صارخ على الاتجاه الذي تسير نحوه أوروبا، يكفي أن يستمع الإنسان لما قاله ماتيو سلفيني، نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الإيطالي، زعيم الحراك الشعبوي بعد النجاحات التي حققتها الحركات اليمينية الأوروبية في انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة. يقول «نجاحاتنا تعني أن أوروبا قد تغيّرت»، ويضيف وهو يمسك مسبحه ويقبّل الصليب.«آن الأوان أن نحافظ على جذور أوروبا اليهودية - المسيحية». هل هناك شك في أن أوروبا الأنوار والعلمانية والحداثة يراد لها أن تنقلب على تاريخها وديمقراطيتها، وتعدّدها الثقافي؟
ما يقلق الكثيرين من المفكرين والمثقفين في أمريكا وأوروبا، هو ظهور دلائل كثيرة على التوجّه نحو بناء تحالف يميني محافظ، يدور في فلك النيوليبرالية الرأسمالية، ويدافع عن جنونها، فيما بين قوى التيار الأمريكي اليميني، والقوى الشعبوية اليمينية الأوروبية.
ويتحدث البعض عن ملايين الدولارات التي صرفها أغنياء اليمين الأمريكي على دعم انتخاب مرشحي الأحزاب الشعبوية الأوروبية، وعلى تمويل سخي لمؤتمرات مشتركة كثيرة، ولتلميع صور زعماء اليمين، وإسنادهم في الحصول على مراكز قيادية في مختلف المؤسسات السياسية والاقتصادية الأوروبية.
نحن إذاً، أمام بداية تكوّن مرعب خطر لتحالف يضمُ اليمين المحافظ الرجعي الأمريكي، وحليفه اليمين الصهيوني العنصري الاستعماري، من جهة، واليمين الشعبوي الأوروبي، من جهة أخرى. والسؤال: هل سيقف الأمر عند هذا الحد، أم أن العالم سيواجه تمدداً متنامياً لذلك التحالف عبر العالم كله؟ منطق التاريخ وطبائع الاجتماع يقولان إن الجواب هو «نعم، وشبه مؤكدُ.
هذا يقود إلى سؤال ثان، يتعلق بنا نحن العرب. السؤال: هل سيسعى ذلك التحالف لضمّ ودعم اليمين المحافظ العربي، بكل تجلياته السياسية والدينية والاقتصادية وولاءاته القبلية والعرقية والطائفية، وفي الوقت نفسه لمحاربة كل القوى والتيارات التقدمية التحررية العربية؟ وهل سيعيد التاريخ نفسه عندما وقف الغرب الاستعماري، وبالتناغم التام مع حليفته الصهيونية، في خمسينات القرن الماضي، في وجه القوى القومية التقدمية التحررية بكل ثقله، وعنفه، حتى أنهكها ومزّق صفوفها،ومكّن القوى الرجعية والدينية من تنظيم صفوفها والهيمنة على سائر المجتمعات العربية؟
هذا سؤال مفصلي تحتاج القوى التقدمية التحررية النهضوية العربية إلى أن تطرحه على نفسها الآن، وتستعد لمواجهة أهواله في المستقبل القريب. علينا أن نستعد لمواجهة عواصف ستهب علينا من بعض أنظمة الحكم الغربية، وفي مقدمتها نظام الحكم الأمريكي الجديد، ومن التحالف اليميني الشعبوي الأميركي - الأوروبي - الصهيوني، ومن البعض الذين تخلّوا عن التزاماتهم القومية، وعن كثير من القيم الديمقراطية العادلة الإنسانية.
.. عواصف ستجتاح الوطن العربي كلّه، ولن توقفها إلاّ قوى تقدمية عربية تاريخية جديدة في شكل تحالف تاريخي كبير مع قوى تقدمية عبر العالم كلّه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"