غياب التفكير في الأخلاق

03:26 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

لم يطرح أحدهم السؤال الخاص بفلسفة الأخلاق في أعقاب فيلم «الجوكر»، استمتع الجميع بأداء الممثل الذي دفعنا إلى التعاطف معه، حصل لاحقاً على جائزة الأوسكار، وتناسوا أن «الجوكر» في الأصل شخصية تمتلك تراثاً طويلاً من الشر في سلسلة أفلام «باتمان»، الأمر الذي تكرر مع مسلسل لافت في شبكة «النتفليكس»، بعنوان: «لوسيفر» يدفع المشاهدين إلى الإعجاب بالشيطان «الطيب» الذي ينزل إلى الأرض، ويساعد البشر في الكثير من المواقف؛ بل يبدو أحياناً أكثر أخلاقية ومثالية منهم.
هل نحن على أعتاب عصر الترويج للشرير؟ وهل تختفي الحدود أو تتداخل بين الخير والشر، الحق والباطل، الجمال والقبح، الصدق والكذب؟ وهل يعود هذا التوجه إلى فن يحاول أن يعكس ما يدور على ساحة السياسة الدولية التي لا نستطيع التمييز فيها بين تلك الثنائيات؟ وهل دور الثقافة أن تكون مرآة لتلك السياسة أم تقف بعيداً وبحيادية لتراقب وتُقيم؟، أم أن أسباب هذه الموجة ترجع إلى ما بعد الحداثة المحملة بقيم وأفكار ملتبسة وضبابية؟، وإذا كان هناك في البلدان المنتجة لتلك الأعمال وغيرها من ينتقد ويحلل، فضلاً عن تراث قوي من فلسفة الأخلاق، فأين نحن من كل ذلك؟
«الجوكر» و«لوسيفر» نموذجان لقيم مضطربة لا تصادفنا في الشاشة وحسب، ولكن في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي كثير من الإعلام المتلاعب بالعقول، وفي سياسات عديدة تتخفى وراء الكلمات البراقة، وتتلاعب بحيل فكرية أشبه بمنطق السفسطائيين، وتتخفى وراء ألف قناع وتوظف العديد من الأساليب؛ لكي تخدع البسطاء، هنا لا بد من العودة إلى سؤال الأخلاق مرة أخرى.
لاحظ محمد عابد الجابري، في مقدمة كتابه «العقل الأخلاقي العربي»، ضعف التأليف العربي تاريخياً في مبحث الأخلاق، والقارئ للكتاب سيجد أن تحليل الجابري يميل إلى تشريح الأخلاق في جانبها السياسي، أي تأثرها بتقلبات الحكم في العالمين العربي والإسلامي، بعيداً عن كونها مجموعة من القيم المطلقة التي تعبر عن جوهر الإنسان في سلوكه اليومي، وحكمه على الأمور، بغض النظر عن السياسة أو الدين أو الانتماء الطبقي، ولم يلتقط أحدهم طرف الخيط من الجابري، مواصلاً أو ناقداً أو مضيفاً، أي أن النتيجة النهائية تتمثل في شبه غياب عربي عن التأليف النظري في فلسفة الأخلاق، تلك التي كتب فيها أعلام الفلاسفة منذ الإغريق وحتى العصر الحديث.
وبغض النظر عن ذلك الغياب العربي في مبحث الأخلاق، وهو ظاهرة تستحق التأمل والدراسة، فإن ما نحتاج إليه اليوم فكر وإن كان لا يمتلك الأدوات والمناهج والمعرفة التي تمكنه من التعاطي الفلسفي المجرد مع الأخلاق، فعليه أن يتحلى برؤية واضحة تحتكم إلى الضمير والمصلحة العامة أولاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"