في ضرورة التسامح

02:24 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسن العديني

قد لا يكون استئصال العنف في اليمن ممكناً في وقت قريب، وربما في أي وقت، لكن تطفيف مكياله وتخفيف وزنه شديد الإلحاح الآن؛ إذ ما عاد في هذا البلد من يقوى على تحمل أكثر مما احتمل. ولقد يبدو المشهد داعياً إلى الاعتقاد بالاعتراف بوضع النقطة الأخيرة في سفر حياة هذا الشعب التعيس والانتقال به إلى الأبدية، سوداء لمن أضرموا نار الفتن وبيضاء للذين تجرعوا أقسى المرارات.
هي لحظة لمراجعة النفس واختصار الدم وتقليص الوحل الذي يرهق ويغرق. المؤسف أن أحداً لا يسمع النجوى حتى لقد تقاتل الذين يشد عراهم جسر أرومة واحدة لا تفرقهم فجوة خصم.
وسأقول من البداية - ويجب أن نقر بحق أبناء جنوب اليمن في أن يرفعوا «لا» عريضة في وجه سياسات مورست ضدهم على طول الفترة اللاحقة لوحدة 22 مايو 1990. ولقد نستدعي ما جرى ضدهم من إقصاء في الوظيفة ونهب للثروة أدت إلى ولادة ما عرف بالحراك الجنوبي في 2007.
غير أن فهم ما جرى من ذلك التاريخ يستوجب التوقف عند موضوع وحدة اليمن الذي ولد مشطوراً بعد ثورتي 26 سبتمبر في صنعاء و14 أكتوبر في عدن. وكانت قضيتها محل غرام وهيام ممن أوقدوا جذوة الأمل في الشطرين، فبشر بها وهلل لها وناضل في سبيلها جميع القوى والأحزاب على تنوع مشاربها باستثناء الأخوان المسلمين.
لجمال عبد الناصر مقولة طالما كررها «إننا نبني الاشتراكية من دون اشتراكيين»، وكان سيد مرعي ابن الأسرة الإقطاعية أبرز مثال كمسؤول عن الإصلاح الزراعي، غير أن آخرين جاؤوا من أصول فقيرة تنكروا لها.
في اليمن كان توحيد البلاد، همّاً للقوى الوطنية، في صلبها وقف الحزب الاشتراكي الذي يمتد أصله إلى جذور قومية وأممية (حركة القوميين العرب وحزب البعث و الشبيبة الشيوعية) كما الناصريين الذين اتخذوا لحزبهم اسم «الطلائع الوحدوية اليمنية» تأكيداً على أن تلك قضيتهم الكبرى وإن ظلوا دون عمود رافع غير إقامة قصيرة أخذهم فيها إبراهيم الحمدي صاحب العصر الذهبي.
كان الإقطاع في الشمال والمذهبية الدينية، يدافعان عن وجودهما ومصالحهما، لا يريدان وحدة مع الجنوب «الشيوعي» و»الملحد» !، وفي الحقيقة مع قوى تقدمية تهدد سلطانهما وسيئاتهما. من بعد اضطر هذا اليمن البغيض إلى رفع الراية البراقة خشية وتزلفاً.
في مناخ الدفاع عن نفسه وانقسام الحزب الاشتراكي الحاكم في عدن، يناير 1986، أمسك نظام صنعاء دفة الهجوم وراح يناور ويقامر وأجابت عدن وتمت الوحدة في ذلك التاريخ الذي ذهب باليمنيين فرحاً بأنهم حققوا ما ظنوا طويلاً أنه من نصيب أجيال قادمة.
ازدانت المدن وارتفعت الرايات وعلت الأناشيد و أقيمت الحفلات في المنازل والفنادق والساحات وسأل الناس أنفسهم عما إذا كان جيلهم بالفعل أنجز هذا المستحيل. لكن الفرحة لم تكتمل فإن الذين أخذوا شعار الوحدة دفاعاً عن سلطاتهم وثرواتهم حولوها إلى منصة للهجوم فأخذوا يسلبون الناس ويسومونهم سوء العذاب حتى إذا أخذوهم من وظائفهم ونزعوا عنهم سبل العيش طفح الكيل وخيب الغضب ونزل الناس إلى الشوارع.
كان الحراك سلمياً واضح الملامح والمطالب واجهه النظام في ذلك الوقت بالاستخفاف والقمع. لكن الحقائق لا تني تعاند وتكشف إذ اتسع الشرر الغاضب وعمّ البلاد كلها فترنح النظام وانهار. لذا، فإن قوميتهم مرة أخرى لا تعبر عن نزوع انفصالي بقدر ما توجه رسالة إلى أن ثمة أشياء تحتاج إلى إعادة نظر. ذلك أن خطراً داهماً لم يزل يتهدد البلاد من تلك الميليشيات التي تتلقى دعماً من دولة تحمل إرثاً ثقيلاً من الكراهية والحقد على العرب. ولا بأس أن تجرى تسويات تشرك المجلس الانتقالي في الحكومة، بل لعلي أقول أن رئيس الإجماع الوطني «عبده ربه منصور هادي» يستطيع إعادة النظر في المجموع المحيطة به.
بعد ذلك وأهم منه أن يمارس سياسات تستجيب لمطالب السكان هناك فيما آمنوا واعتقدوا وفيما يرغبون من حياة كريمة هادئة بلا حروب وهانئة بلا منغصات.
تلك مسؤولية الرئيس وواجبه إذا أراد وصمم على إخراج اليمن من محنتها وعذاباتها. ومن غير ذلك فإن التاريخ سيقف أمامه قاسياً وصارماً ذلك أنه قبل أن يتحمل مسؤولية بلد في وضع عصيب وصعب وهو يعرف ويعلم.
إنها مسؤوليته وتلك رسالته، أن يكون مظلة تفرض التسامح والود بين اليمنيين كافة وجميعاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"