كسر حصار غزة لا يتحقق إلا ضد "إسرائيل"

02:12 صباحا
قراءة 3 دقائق

يبدو أن الأخبار التي انتشرت قبل أسابيع قليلة عن خلاف حصل في مؤتمر وزراء الخارجية العرب الاستثنائي، الذي انعقد تحت ضغط اعتداء إسرائيل على أسطول الحرية المتجه إلى غزة، والتي تحدثت عن خلاف بين الوزراء العرب بشأن عبارتين:

كسر حصار غزة، أو فك حصار غزة، يبدو أن هذه الأخبار لم تكن تغطي خلافاً شكلياً لفظياً، كما بدت للوهلة الأولى، بل جاءت تعبيراً عن خلاف سياسي في العمق، بشأن القضية الفلسطينية برمتها، وشأن المصير العربي العام، وليس فقط بشأن قطاع غزة وحده، بما يحيط به من ظروف إنسانية وسياسية .

ومن أجل قراءة واضحة في هذا الملف، لا يحتاج الأمر إلى عودة لمناقشات مؤتمر وزراء الخارجية العرب، بل إن التفاصيل الكاملة والعميقة لهذا الملف قد تجلت في التحركات السياسية لكل الأطراف التي اندفعت، بعد فضيحة الاعتداء على أسطول الحرية، لإجراء تغيير ما في الظروف الإنسانية المحيطة بغزة، بما ينقذ التوازنات السياسية القائمة حالياً، ولا يعتبر انكساراً سياسياً لـ إسرائيل .

والغريب أن قوى عربية رسمية كانت جزءاً من هذا التحرك الغريب، كما سنرى .

إن قضية حصار غزة، برغم كل تجلياتها الإنسانية هي في الأساس قضية سياسية بامتياز تتعلق بصميم حاضر ومستقبل القضية الفلسطينية .

بدأت المشكلة، بالنسبة للبعض، وعلى رأسهم أمريكا وإسرائيل، عندما ظهرت نتائج ممارسة شعب فلسطين حقوقه الديمقراطية في انتخاب أعضاء المجلس التشريعي .

لقد جاءت النتيجة مفاجئة حتى لحركة حماس يومها، التي كان أقصى ما تتوقعه الحصول على أربعين في المائة من مقاعد المجلس التشريعي، لكن النتيجة جاءت يومها كاسحة لمصلحة حماس، على حساب فتح . بعد ذلك حصلت التطورات السلبية التي قادت هذه المفاجأة الانتخابية من موقع دعم الوحدة الوطنية الفلسطينية بصورتها الجديدة، إلى انقسام بين كبرى المؤسستين السياسيتين الفلسطينيتين، جعلت غزة في النهاية تحت سلطة حماس، والضفة الغربية تحت سلطة فتح .

منذ ذلك اليوم، أصبح كل طرف سياسي، في أقاصي الأرض، قادراً على التدخل في صميم الشؤون الفلسطينية الداخلية: من يؤيد خيار المقاومة يدعم سلطة حماس، ومن يؤيد خيار المفاوضات (تحت رعاية الولايات المتحدة حليف إسرائيل الاستراتيجي)، يؤيد سلطة فتح .

في هذا الجو جاء حصار غزة قراراً أمريكياً إسرائيلياً بمحاصرة سلطة حماس، عن طريق معاقبة المليون ونصف مليون فلسطيني الذين يعيشون في غزة .

وقد كانت واشنطن وتل أبيب، تتوقعان أن يتحول حصار غزة (حصار حماس) إلى واقع ثابت ومستقر حتى إشعار آخر، إلى أن قررت تركيا تحديد هذا الإشعار الآخر، بقرار الإصرار على إرسال أساطيل الحرية إلى غزة، حتى كسر الحصار .

وبما أن إسرائيل قد خدمت هذا الغرض التركي بحماقة دموية شهدها العالم بأسره، فقد سارعت القوى السياسية (الدولية والعربية) المراهنة على شعار المفاوضات تحت رعاية أمريكا، إلى محاولة تدارك نتائج الحماقة الإسرائيلية حتى لا تنقلب الطاولة على جميع أنصار هذا الاتجاه .

هنا، وهنا فقط، ولد الفارق الواضح بين شعار كسر حصار غزة، وشعار فك حصار غزة .

أنصار الشعار الأول يدركون البعدين السياسي والإنساني للحصار، ويسعون إلى كسر إرادة الاحتلال الإسرائيلي بفرض حصار على حرية الانتخابات التشريعية الفلسطينية، بينما تسعى الأطراف الأخرى، إلى إنقاذ الحصار السياسي الإسرائيلي، وإبقائه على حاله، ولكن بعد محاولات لمعالجة بعض جوانب الحصار الإنساني، تخفيفاً للضغوط ليس إلا .

الفارق واضح بين الاتجاهين والموقفين والتصرفين، من هنا لم يعد مجال للالتباس والتحايل، فأي كسر جدي للحصار، بمفاعيله السياسية أولاً والإنسانية ثانياً، لا يمكن أن يتحقق إلا بكسر إرادة الاحتلال الإسرائيلي، وكل ما عدا ذلك أصبح مجرد ذر للرماد في العيون، بما في ذلك، محاولات القيام بزيارات لقطاع غزة، تأخرت ثلاث سنوات كاملة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"