لماذا «يهودية الدولة»؟

03:32 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

تصر «إسرائيل» ومعها الولايات المتحدة، لا سيما خلال السنوات القليلة الماضية، على ترديد مصطلح «يهودية الدولة» الذي بات أحد أبرز العقبات التي تضعها الطغمة العسكرية الحاكمة في «إسرائيل»، في طريق المفاوضات.
ومع طرح الإدارة الأمريكية الحالية ما عُرف ب«صفقة القرن» التي أعلن عنها الرئيس دونالد ترامب، بدت فكرة يهودية الدولة عنصراً رئيسياً في هذه الخطة التي تصر على اعتراف الفلسطينيين بها.
ولكن قد يتساءل البعض عن سر إصرار القادة «الإسرائيليين» على فكرة يهودية الدولة، والمعاني التي يحملها هذا المصطلح، الذي بات يتردد ليلاً ونهاراً على ألسنة المسؤولين «الإسرائيليين» والأمريكيين سواء الحاليين أو السابقين. وكما هو معروف لم يكن رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، ولا الرئيس الأمريكي ترامب، أول المروجين لفكرة يهودية الدولة. ففي الرابع من يونيو/حزيران 2003، ألقى أرييل شارون خطاباً في مدينة العقبة الأردنية، طالب فيه بالاعتراف ب«إسرائيل» دولة يهودية، وعلى منواله سار الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، ومنذ ذلك التاريخ لم تترك «إسرائيل» والولايات المتحدة أية فرصة تمر دون الحديث عن «إسرائيل» بوصفها دولة يهودية.
ومثل أرييل شارون كرر أيهود أولمرت ومعظم «الإسرائيليين» عبارة «يهودية الدولة»، كما استخدم هذه العبارة أيضاً الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في خطاب له أمام لجنة الشؤون العامة الأمريكية «الإسرائيلية» (إيباك) عام 2008، وكذلك في سبتمبر/أيلول عام 2010 في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حين أكد التزام الولايات المتحدة بالاعتراف ب«إسرائيل» بصفتها دولة يهودية.
كما تم استثمار هذا الشعار في الجدل الداخلي «الإسرائيلي» والتجاذبات بين القوى السياسية، خاصة في ما يتعلق بالاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي ينسف من الأساس فكرة حل الدولتين.
والحقيقة التي لا بد من التوقف عندها هنا، هي أن «إسرائيل» بإصرارها على فكرة يهودية الدولة، واشتراطها الاعتراف الفلسطيني بها كضرورة لما تُسمى عملية السلام، إنما تهدف في الواقع إلى أمرين اثنين؛ الأول تعميم المفاهيم الأيديولوجية للحركة الصهيونية وفرض ما يمكننا تسميته بالاستسلام الأيديولوجي على الفلسطينيين باعتباره الشعار الصهيوني الأبرز، إضافة إلى وعد بلفور الذي صدر في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1917، والذي يتماشى مع الأهداف الصهيونية ويؤكد فكرة الوطن القومي لليهود في فلسطين.
أما الهدف الثاني الذي تبتغيه «إسرائيل» ومن خلفها الولايات المتحدة، والقوى الاستعمارية الغربية، من طرح فكرة يهودية الدولة، فهو شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم، وهو حق كفله القرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948، والذي ينص على أن الجمعية العامة «تقرر وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم، وكذلك عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات، بحيث يعود الشيء إلى أصله وفقاً لمبادئ القانون الدولي والعدالة».
أمام كل ما تقدم، نرى أن «إسرائيل» بإصرارها على فكرة يهودية الدولة، لا تضع العقبات أمام المفاوضات بغية نسفها، تهرّباً من الاستحقاقات المتأتية منها فحسب؛ وإنما بهدف فرض ما يمكن تسميته استسلاماً فكرياً على الشعب الفلسطيني، والقبول بالقراءة الصهيونية المغلوطة والمزيفة للتاريخ والصراع الفلسطيني «الإسرائيلي».
ويزداد الأمر خطورة إذا ما علمنا أن سلطات الاحتلال تعمد تحت غطاء يهودية الدولة إلى سياسة «الترانسفير» ضد الفلسطينيين المقيمين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، زد على ذلك أن مفهوم «أرض إسرائيل» الذي تبنته الحركة الصهيونية وهو مفهوم توراتي لا يكتفي بفلسطين؛ بل يضيف إليها مناطق من سوريا ولبنان وكامل شرقي الأردن، وهو ما ألمح إليه نتنياهو بترديده عبارة «حق إسرائيل في أرض إسرائيل»، ومطالبته الطرف الفلسطيني بالاعتراف بهذا الحق.
وعليه يمكننا القول إن إصرار الطغمة الحاكمة في «إسرائيل» على طرح فكرة يهودية الدولة، يثبت أن «إسرائيل» ليست معنية بالسلام مع الفلسطينيين، وأنها لا تسعى إلا إلى الالتفاف على حق العودة الذي كفله القانون الدولي، وفرض الاستسلام الكامل على الشعب الفلسطيني؛ الأمر الذي يستوجب وحدة فلسطينية فاعلة لإسقاط المشاريع «الإسرائيلية» والأمريكية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية لصالح المشروع الصهيوني.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"