لمواجهة سباق تسلح جديد

04:46 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

من المهم أن لا ينحسر الطرح الداعي إلى إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل؛ إذ إن هذا التوجه يمثل أحد الجوانب المهمة في الرد على التحدي النووي الإيراني، ويستجيب مع قرارات دولية بهذا الخصوص، كما يتماشى مع تفاهمات نادي الكبار النووي بالعمل على حظر إنتاج هذه الأسلحة في العالم، وتخفيض مستواها بين الكبار (الأعضاء الدائمون لمجلس الأمن).
وإذا كانت طهران تستخدم الدعوة لإخلاء منطقتنا من الأسلحة غير التقليدية من أجل تسويغ طموحاتها النووية، إلا أن هذا التذرع لا يبرر الاندفاع إلى تطوير القدرات النووية. فلم يسبق أن وقعت حرب إيرانية -«إسرائيلية». وكما هو الحال بين بلدين متجاورين نووين مثل الهند وباكستان. والخطر النووي متمثلاً بحالة إيران يقع في المقام الأول على المنطقة المتاخمة وهي منطقة الخليج العربي.
ومن حق دول هذه المنطقة بل من واجبها أن تعترض على تطورات من هذا النوع، تهدد على المدى البعيد وربما المنظور أمنها الاستراتيجي، وعليه يبدو مفهوماً أن يتم تأييد مراجعة الموقف من الاتفاق الغربي مع إيران لعام 2015، بغية ضمان أن لا تندفع دولة جارة وكبيرة إلى سباق تسلح على درجة من الخطورة. وحين يتحدث وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، بأن بلاده سوف تدخل حلبة السباق النووي في حال لجأت إيران إلى «التخصيب»، فذلك يدلل على مدى جسامة التحدي الذي تشهره إيران في وجه دول المنطقة وشعوبها، والذي يؤدي حُكماً إلى سباق تسلح لا سابق له.
لقد جاء القرار الأمريكي بالانسحاب من الاتفاق ليشكل صدمة، لكنها ليست صدمة سلبية. فالأطراف الأوروبية المتمسكة بالاتفاق، منفتحة في الوقت نفسه على مراجعة الاتفاق بما يضمن عدم الانزلاق نحو تطوير القدرات النووية، وخلال أمد طويل وغير محدد ب 15 سنة كما ورد في اتفاق فيينا. ومن المفهوم أن الانسحاب من الاتفاق قد أثار فزع شركات اقتصادية كبرى في أوروبا سارعت إلى عقد صفقات مع إيران عقب توقيع الاتفاق قبل نحو ثلاث سنوات، غير أن الواقع لن يلبث أن يفرض نفسه، إذ لا بد من ضمان الأمن الإقليمي والدولي قبل كل شيء.
وإذ تشهد المرحلة الراهنة قدراً كبيراً من خلط الأوراق مرفوقاً بتوترات متزايدة، فإن المحددات الاستراتيجية العربية لا بد أن تنعقد على التصدي للأخطار التي تهدد الأمن الجماعي، أياً كان مصدر الخطر. وبما يتعلق بسباق التسلح النووي الذي ينذر بتحوله إلى واقع وليس مجرد شبح، فإن الالتزام بإخلاء منطقتنا من هذه الأسلحة يظل هو الإطار الصالح والناظم لمواجهة التحديات راهناً ومستقبلاً، والذي ينسجم مع الشرعية الدولية ومع دور الدول الكبرى والمنظمة الدولية في حظر انتشار هذه الأسلحة.
والأدعى للملاحظة في هذا المشهد المعقّد أن مظالم القضية الفلسطينية التي كانت أساساً لتوترات منطقتنا منذ سبعة عقود على الأقل، ما زالت على حالها بل تشهد تصعيداً سلبياً هذه الأيام، يتمثل بالاحتفال بنقل السفارة الأميركية إلى القدس العربية المحتلة!.
ومع الحاجة إلى معالجةٍ سياسية لكل مسألة من المسائل التي يفرضها الواقع الشائك حسب خصوصية كل مسألة وراهنيتها، فإن التوجه إلى إخلاء منطقتنا من أسلحة الدمار الشامل على اختلافها وتنوعها، يظل ركن الزاوية في رسم ملامح الأمن الجماعي المستقبلي، وصياغة رؤية استراتيجية تكفل عدم الاندفاع إلى مديات خطيرة في التسلح، تهدد أمن المنطقة ودولها وشعوبها، فلا أحد يعلم ما في جعبة الغيب من مخاطر يثيرها الشعور بفائض القوة هنا وهناك لدى أطراف إقليمية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"