لوقف التدخلات الصهيونية في الحراك العربي

04:20 صباحا
قراءة 4 دقائق

من المهازل أن يتنطع زعماء في الدولة العبرية ويتدخلون في مجريات حراك الشارع العربي، كما في تصريحات متلاحقة لشيمون بيريز بخصوص ما يجري في سوريا . يفترض المرء ابتداء أن كل جهة سياسية في العالم تسعى لاستثمار أي حدث سياسي في أي مكان في العالم ،ومحاولة استخدامه لصالحها، والأعداء هم أول من يسعون لمثل هذا الاستثمار . لقد خرجت تصريحات متضاربة ودبجت مقالات عديدة في تل أبيب بشأن الحدث السوري، بعضها يهلل لاهتزاز موقع النظام السوري وبعضها يتخوف من بديل متطرف، ويدرك هؤلاء ان السوريين بمختلف أطيافهم كما بقية العرب يستمعون لأي جهة في العالم باستثناء الزعماء الصهاينة، حتى لو كانت قلة قليلة تعد على أصابع اليدين أو أقل من ذلك تنظر للأمور بغير هذا المنظور . نعرف على سبيل المثال أن المعارضة السورية نأت بنفسها بصورة كلية عن التدخلات المريبة لأطراف صهيونية، وحتى القلة الضئيلة التي ارتضت أن تتواجد في مؤتمر نظمه في باريس الفيلسوف الفرنسي هنري برنار ليفي ذو الميول الصهيونية، نأت بنفسها عن مواقفه تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، بل وأبدت اعتراضها على هذه المواقف، وإن كان ذلك لا يشفع لها مشاركتها بملتقى يتصدره ذلك الفيلسوف المأفون .

مع ذلك فمن الجلي أن محاولات التدخل الصهيوني تظل بلا أثر يذكر على صعيد الحراك العربي، واصطفاف القوى السياسية واتجاهات الرأي العام العربي الذي يمتلك عداء عميقاً للدولة الصهيونية الباغية التي قامت على أرض فلسطين وشردت شعبها، وشنت حروباً متوالية على الشعوب العربية المجاورة لفلسطين . . هذا باستثناء كتابات عربية متناثرة يرى أصحابها أن الربيع العربي بمجمله صنعته مخططات أمريكية صهيونية، وذلك في ازدراء كامل لتضحيات الثوار العرب، وغض نظرٍ مُطبق عن تغول الاستبداد والفساد، وإن كان للتدخلات الصهيونية بعض التأثير في الغرب بتصوير ديمقراطية الاحتلال كما لو أنها تقف جنباً الى جنب مع التطلعات الديمقراطية العربية، وهو طرح قديم على كل حال وليس جديداً، وقد أسس على مدى عقود لاجتذاب قطاعات من الرأي العام الغربي لتأييد الدولة الصهيونية (واحة الديمقراطية المزعومة)، علماً بأنه ليس ذنب المحتجين العرب أن يتنطع زعماء صهاينة للتغني بالحراك العربي، فالذنب يقع على أنظمة الاستبداد والفساد، التي شوّهت صورة العالم العربي في أنظار العالم، وسمحت حتى لأعداء العرب بامتطاء التطلعات العربية الأصيلة والمشروعة نحو الحرية والكرامة، وذلك نتيجة السعي لتأبيد ديكتاتوريات شاملة واعتبارها قدراً لا رادّ له، وعلى الشعوب أن تتجرع صاغرةً مرارته جيلاً بعد جيل .

ولعله من السخف البالغ في ضوء ما تقدم، أن يستخدم أحد التلفظات الصهيونية لتشويه صورة الحراك العربي، بالاستشهاد بعبارة من هنا أو هناك لزعماء صهاينة، فذلك يقوم على ربط واهٍ وسقيم بين ما لا رابط بينه، فلطالما نعت مسؤولون إسرائيليون أنظمة عربية بأنها ديكتاتورية . إن ذلك الوصف لم ولن يطمس الطابع العنصري والعدواني للدولة العبرية، ولا ينزع من الشعوب العربية حقوقها في إقامة أنظمة وطنية ديمقراطية تتقيد بحقوق الإنسان وبإرساء دولة القانون، وتواصل في الوقت نفسه الصراع مع الأعداء الخارجيين وفي مقدمهم دولة العنصرية والاحتلال، التي ما زالت بالمناسبة جاثمة على أرض الجولان السورية منذ 44 عاماً، وتقوم على الدوام بأنشطة استيطانية في الهضبة المحتلة، وبصخب أقل من ذلك الذي يصحب التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة .

وخلافاً لكل استغلال عشوائي مريب، فإن المرء يتطلع بثقة لأن تصب التطورات العربية في مجملها، في كفة ترجيح تزخيم الصراع مع الأعداء الصهاينة، في ظروف تتحرر فيها إرادة الإنسان العربي من القيود الثقيلة التي تكبله، وتحول بينه وبين الدفع نحو تشديد المواجهة مع الاحتلال، لا أن تترك هذه القضية الحيوية والوجودية للزمن، علماً بأن الزمن يكتسب فاعليته بمدى استثماره ومراكمة عوامل المنعة الذاتية والتي تبدأ بامتلاك المواطن لحريته وكرامته وحقه الكامل في المشاركة السياسية، بدلاً من ذلك الشعار العقيم لا صوت يعلو فوق صوت المعركة . لقد كان مؤدى ذلك الشعار أن لا صوت يعلو أبداً ولأي أحد في جميع الظروف، وكلما ارتفع صوت يتم وأده، والمعركة لا صوت بل لا وجود لها، ولا رقابة من أي نوع على السلطات . . لا رقابة دستورية ولا برلمانية ولا قانونية، ولا خلافه . وحتى النقاش حول المعركة، أي حول أفضل الظروف والاستعدادات لتحرير الأرض المحتلة بعد أن طال أمد احتلالها فقد ظل ممنوعاً، وقد يُتهم من يدعو لممارسة هذا الحق في النقاش بخدمة العدو من حيث يدري أو لا يدري، وكل ذلك باسم ماذا؟ باسم القضية والمعركة .

في ظروف أخرى تستعيد فيها الشعوب آدميتها، وتسترد حقوقها المسلوبة بما في ذلك الحق المقدس في الحياة، فإنه يسع الشعوب أن تداوي جراحها، وتقيم دولاً وطنية مستقلة وعصرية، وتستعيد وحدة أراضيها بما في ذلك الأراضي المحتلة، وتقيم وحدة وطنية صلبة على أساس المواطنة، ولا تسمح للزعماء الصهاينة بالمتاجرة بالديمقراطية، لتسويغ الاحتلال وإدامته بمحاولة صرف الأنظار عنه بل تقارع هؤلاء وتخوض مواجهات جدية وحازمة معهم .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"