ماذا بعد إسقاط النظام؟

03:06 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسن العديني

ليس معروفاً من هو أول من استخدم كلمة «الربيع» في وصف ما حدث في دول عربية سنة 2011. فمن الواضح أنه استعار الوصف مما قيل في الموجه الثورية العاتية التي اجتاحت وسط وغرب أوروبا سنة 1848، وأدت إلى تغييرات مهمة في بعض البلدان، مثل إلغاء القنانة في الإمبراطورية النمساوية المجرية، وتقييد الملكية المطلقة في الدنمارك وهولندا، لكن هل ما حدث في البلاد العربية في 2011 كان ثورة تستحق أن يحتفل بها؟
في اليمن، على سبيل المثال، ضجت بالسؤال المجالس ووسائط التواصل الاجتماعي، ولم يختلف الأمر بالتأكيد في البلاد الأخرى التي شهدت تلك الموجة العارمة من الثورة الشعبية. قبل أن نقف عند رأي الناس أمام هذا السؤال، لننظرْ أولاً في المشترك والمختلف بين تلك الأحداث.
سنرى في المشترك أنها وقعت في جمهوريات ذات واجهات ليبرالية شكلية، كما وقعت في ديار تحكمها أنظمة ملكية، لكن نجحت الحكومات هناك في احتوائها لبعض الإصلاحات الاقتصادية وبالوسائل الأخرى المعتادة والمعروفة. سنرى أيضاً أن فكرة التوريث كانت مطروحة في تلك البلدان.
لقد بدأت بتحرك عفوي من الشباب، ثم قفزت عليها الأحزاب السياسية، واستثمرتها في الحصول على تمويل من رجال أعمال ومن دول، ومن قطر على وجه التحديد. ولا تتعارض العفوية مع حقيقة وجود مؤامرة يحضر فيها المستشرق البريطاني الأمريكي برنارد لويس والفرنسي هنري ليفي، وبدون أدنى شك أجهزة استخبارات تتبع دولاً عدة. وقد أظهر هذا التدخل المباشر شخصياتٍ إلى الواجهة معروفاً تاريخها وارتباطاتها، والتفسير لهذا التلازم بين العفوية والمؤامرة أن النفوس كانت معبأة، والغضب كان مكتوماً، ولم يحتج للانفجار سوى إطلاق دعوات عبر الإنترنت، أو المبادرة بالنزول إلى الميادين من شباب ليست لهم ملامح سياسية واضحة، ومن بعدهم تنزل الجموع بتلقائية، ثم تأتي الأحزاب بأعلامها وبمكائدها.
وفيه أيضاً أن البطالة والمعاناة المادية والفساد السياسي والمالي مثلت الأسباب الحقيقية للهبات الشعبية، مع هذا لم يطالب الغاضبون بالخبز أو بالمشاركة السياسية، وكان التونسيون الذين خرجوا أولاً هم الذين حددوا مطلباً واحداً مرفوع السقف، وهو إسقاط النظام، ثم لا شيء بعد ذلك، ولم تفهم الأنظمة الرسالة في بادئ الأمر أن شرعيتها تآكلت تماماً، وأن خيالها جفّ، ولم يعد في مقدورها أن تبتكر وتجدد، وبدلاً من أن تستسلم وترحل قاومت بعنف، ما مهد لمخاطر ظهرت في المسار اللاحق للحوادث، ذلك بعض المشترك، أما ما هو مختلف فتجلى في مصائر الحكام وفي المآلات، ولا أقول انتهت عندها، بين حروب أهلية واستقرار هش.
إن إثارة السؤال السابق حول أن نحتفل بذكرى ما يسمى «الربيع العربي» أو لا نحتفل فرضتها رؤية هذه المآلات، فإن الأوضاع تغيرت إلى أسوأ مما خرج الناس للثورة ضده، ولقد انقسمت الأجوبة عن السؤال بين الحيرة والسخط والحماس، هكذا الحال عند الذين شاركوا ونزلوا إلى الميادين، وأما عند الذين أرهقهم التشرد والعذاب والفقر، فقد كانت أجوبتهم قاطعة بأن ما حدث أسس لكارثة تستحق أكثر من الدمع والحسرة.
لكن السؤال الصعب يثور عن معنى الثورة كما تعرفها الأحزاب القومية واليسارية التي شاركت في إنجاز سقوط الأنظمة، والمعلوم أن هذه استقر في يقينها خلال عقود طويلة سابقة أن الثورة عملية هدم وبناء، فلا يكفي إزالة القديم، وإنما الأهم منه بناء الجديد على الأرض التي كان واقفاً عليها، وفي الموروث والمأثور أن الثورة علم تغيير المجتمع، رغم ذلك لم تأبه قيادات هذا التوجه أنها وقعت فريسة الخديعة حين لم تحدد أهدافاً واضحة، إلا إذا ذهبنا إلى سوء الظن في أن المنافع الشخصية الآنية كانت تحكم قراراتها وتصرفاتها.
إسقاط النظام، ثم ماذا ؟.
لم يقفوا أبداً أمام هذا السؤال، ولم يذهب تفكيرهم إلى ما حدث بالفعل وهو سقوط الدولة وتمزق المجتمع، وليس من شك في أن الذين أمسكوا الخيوط من وراء الستار في مسرح العرائس كانوا يرون هدفهم بوضوح، وهنا تظهر تحت الضوء العلاقة الحميمة والمريبة بين شخصيات وأحزاب ليبرالية كما تدعي، وبين «الإخوان» والجماعات الإسلامية التي طالما رفعت أعلام الجهاد ضد الغرب !!
في مذكرات عضو التنظيم الخاص بجماعة «الإخوان» تحدث علي عشماوي عن مخطط سيد قطب سنة 1965 بأنه استهدف اغتيال كبار قادة الدولة، أسماهم بأسمائهم، وتفجير القناطر الخيرية وكهرباء القاهرة، ثم لم يقل قطب ما الذي سيكون بعد هذا الخراب. ذلك كان قبل أن تتوصل وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس إلى نظريتها الهدامة المعروفة ب«الفوضى الخلاقة».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"