متى تنضم جورجيا إلى الناتو؟

03:22 صباحا
قراءة 6 دقائق

أفاد البيان الختامي الصادر عن قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، التي عقدت في العاصمة الرومانية بوخارست مطلع نيسان/ أبريل الجاري، بأن جورجيا سوف تصبح مستقبلاً عضواً في الحلف، وذلك على الرغم من أن القمة تجنبت ترشيح هذه الدولة القوقازية لبرنامج العضوية.

وكان الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي قد أكد في كلمة إلى الأمة قبل مغادرته إلى بوخارست أن مستقبل جورجيا يرتبط بالناتو كمنظمة عسكرية سياسية جبارة. وأننا نود مشاهدتها جنباً إلى جنب مع دول العالم المتطوّر. ولذلك سوف نسعى حثيثاً للالتحاق بهذا الحلف.

وبروتوكولياً، تمثل إجراءات قبول الأعضاء الجدد في الناتو عملية طويلة تتم على مراحل متعددة، تبدأ بانضمام الدولة المعنية إلى برنامج الشراكة من أجل السلام (PFP)، الذي أطلقه الحلف في العام 1994. وفي المرحلة الثانية، يحصل البلد المعني على صفة عضو الحوار المكثف مع الناتو، وقد منحت جورجيا هذه الصفة منذ خريف العام 2006. وفي هذه المرحلة تقوم الدول المعنية بتكييف قواتها المسلحة وفق معايير الناتو. وفي المرحلة الثالثة، يتم الانضمام إلى خطة عمل التحضير لنيل العضوية. وبعد التزامه برزمة من المعايير، يتسلم البلد المعني دعوة رسمية للانضمام للحلف، وهذه هي المرحلة الرابعة. ويجري في المرحلة الخامسة توقيع محضر الانضمام، الذي يجب أن تصادق عليه برلمانات الدول الأعضاء، والدولة المنضمة، ثم يوجه إلى وزارة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، الدولة المؤتمنة على معاهدات الناتو. وهذه هي المرحلة السادسة والأخيرة في طريق الالتحاق بالحلف الأطلسي.

وقد جعل الناتو من دول آسيا الوسطى والقوقاز الحلقة المركزية في برنامج الشراكة من أجل السلام، وهي مبادرة الحلف الأكثر نشاطاً وتمدداً، وحيث تقرر أن تركز مجدداً على هدفها الأصلي المتمثل في تعزيز التعاون العسكري مع الدول الصديقة، بدلاً من تركيزها على إعداد الشركاء لنيل العضوية. وسعى موفدو الناتو إلى حشد التأييد السياسي والدعم العملي من دول المنطقة، وخاصة في مجالات الإمداد والتجهيز. وفي قمة اسطنبول التي عُقدت في حزيران/ يونيو من العام ،2004 أكد قادة الحلف تنامي الاهتمام بمنطقة آسيا الوسطى والقوقاز، حيث منحها البيان الختامي صفة منطقة تركيز خاص. كما قررت القمة تعيين ضابط ارتباط في المقر الإقليمي للحلف في ألمآتا عاصمة كازاخستان، وذلك من أجل دعم تنفيذ برامج التعاون والمساعدة التي يقدمها الحلف في تلك المنطقة. وعلاوة على ذلك، أنشأت قمة اسطنبول منصب الممثل الخاص للأمين العام للناتو لشؤون آسيا الوسطى وجنوبي القوقاز. وقام روبرت سايمونس، وهو أول شخصية تم تعيينها في هذا المنصب، بزيارات منتظمة للمنطقة لشرح البرامج التي ينفذها الحلف، والطريقة التي تساعد الدول المعنية على الاستفادة القصوى منها.

وعلى الرغم من ذلك، ثمة تحدٍ فرض نفسه على حركة الناتو في آسيا الوسطى والقوقاز، تمثل بصفة أساسية في مدى قدرته على المساهمة في حل النزاعات الشائكة في مناطق أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وناغورني كاراباخ وترانسدنيستريا. وقد أدرك مخططو الناتو أن اهتمامه بأولويات كثيرة، في ظل قناعات محلية بأنه لن يُقدم قريباً على منح عضويته لأي من دول المنطقة، قد أدى إلى إضعاف نفوذه هناك. وهكذا، لم تحقق الجهود الخاصة بإعادة تنظيم المؤسسات العسكرية للدول المعنية وفق قواعد الناتو سوى نتيجة متواضعة، فقد ظلت تعاني من مشكلاتها القديمة مثل تهالك المعدات، وقدم العقائد العسكرية والتكتيكات العملياتية. ولا يزال عدد من المسؤولين في آسيا الوسطى والقوقاز ينظرون إلى العلاقات مع الناتو باعتبارها مجرد وسيلة للحصول على الأسلحة الأمريكية والأوروبية، وليست بديلاً عن علاقتهم بمنظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا.

وفي أحد محاور تحركه الأكثر بروزاً، ركز الناتو مبكراً على إمكانية ضم جورجيا إلى صفوفه، باعتبارها القوة الأكثر بعداً عن النفوذ الروسي والأكثر ارتباطاً بالغرب، وخاصة الولايات المتحدة، بيد أن الحلف اصطدم على نحو جلي بمعضلة النزاعات الانفصالية التي تعاني منها الدولة الجورجية، وتحديداً قضيتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وحيث تم في الإقليمين إعلان جمهوريتين من جانب واحد. ويرفض قادة الإقليمين الانضمام إلى جورجيا أطلسية، ويرون أن دخولها في الناتو يمثل دعوة منها لإعلان استقلالهما.

وفي الوقت الراهن، تمثل أبخازيا القضية الأكثر تفجراً في السياسة الجورجية، وهي قد بدأت بعد استقلال كوسوفو سلسلة من الإجراءات على طريق تكريس انفصالها عن تبليسي، وتم ذلك بدعم علني من الروس. ومنذ مطلع التسعينات، تتعاطف مع أبخازيا كثير من القيادات العسكرية والسياسية الروسية، وهو الأمر الذي مثل أحد أسباب التوجه الجورجي نحو الغرب. وقد انتهت روسيا في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي من سحب قواتها من جورجيا، بعد أن ظلت هناك منذ أن كانت البلاد جزءاً من الاتحاد السوفييتي. بيد أن موسكو لم تنه كامل وجودها العسكري في جنوب القوقاز، حيث لا تزال قواتها متواجدة في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، فضلاً عن جمهورية أرمينيا. وهناك اليوم من يرى إمكانية أن تحل قوات الناتو في الثكنات التي تركها الجيش الروسي في جورجيا، لتساعد القيادة الجورجية على استعادة أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. إلا أن كثيراً من المحللين يبدون شكوكهم في فرص دخول الناتو على خط النزاع.

وفي بعض خلفياتها التاريخية، كانت العلاقة بين أبخازيا وسلطات تبليسي قد توترت منذ العام 1989 عندما تبنّى مجلس شعب أبخازيا نداءً موجهاً إلى السلطات السوفييتية يدعو لإعادة منح الإقليم وضع جمهورية سوفييتية. وكانت جمهورية أبخازيا السوفييتية قد تأسست في مارس/ آذار من العام ،1921 لكنها اندمجت في العام 1931 في جمهورية جورجيا السوفيتية باعتبارها منطقة مستقلة ذاتياً. وفي ديسمبر/ كانون الأول ،1990 عادت أبخازيا وأعلنت نفسها جمهورية مستقلة، وأكد هذا الاستقلال مجلس أبخازيا الأعلى في يوليو/ تموز ،1992 الأمر الذي رفضته جورجيا. وفي الرابع عشر من أغسطس/ آب من العام ذاته، دخلت قوّات الحرس الوطني الجورجي الأراضي الأبخازية واستولت على عاصمتها سوخومي، ودارت حرب عنيفة بين الجانبين، استخدمت فيها الطائرات والمدفعية وأنظمة التسلّح الأخرى. وكانت نتيجة الحرب، التي استمرت 14 شهراً، وخسرتها جورجيا في نهاية المطاف، مقتل نحو 16 ألف شخص، هم أربعة آلاف أبخازي، وعشرة ألاف جورجي و20000 متطوّع قدموا لنصرة أبخازيا من الجمهوريات القوقازية الشمالية وجنوب أوسيتيا.

كذلك، أدت الحرب إلى نزوح مجاميع كبيرة من الجورجيين من أبخازيا، يقدر عددهم بين 150- 200 ألف شخص بحسب الأبخاز، فيما يورد الجانب الجورجي رقما أكبر هو 300 ألف شخص. وقد تم تغيير الوضع الإثني الديموغرافي في الإقليم على نحو تحولت فيه الأكثرية الجورجية إلى أقلية قومية. وفي وقت لاحق، شكل حصول سكان أبخازيا على الجنسية الروسية، على نطاق واسع، أحد عناصر التوتر في العلاقات الجورجية الروسية. وتشير التقديرات إلى أن نحو 70 في المائة من سكان الإقليم يحملون حالياً الجنسية الروسية. وإضافة إلى ذلك كله، أسفرت الحرب عن خسارة جورجيا 12،5 في المائة من أراضيها و200 كم من ساحل البحر الأسود.

وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، أشار الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى أن عامل كوسوفو أخذ يرمي بتأثيراته في منطقة النزاع الأبخازي. وذكر بان كي مون في تقريره السنوي عن الأزمة الأبخازية أن صورة العدو قد تغلغلت في وعي الناس المقيمين على جانبي خط وقف إطلاق النار، أما الخطابات السياسية فساعدت على تصعيد الوضع. وانتهى أمين عام الأمم المتحدة للقول: إن هذا التقرير شأنه شأن التقارير السابقة يدل على أن العملية السياسية قد وصلت إلى طريق مسدود.

وبالعودة إلى التفاعلات الروسية مع الحدث الجورجي، فقد قال بيان لوزارة الخارجية الروسية، صدر في السادس من آذار/ مارس الماضي، إن موسكو لم تعد معنية بالحظر التجاري الذي تفرضه رابطة الدول المستقلة على إقليم أبخازيا. وأعلن البيان أن روسيا سوف تتعامل مع جمهورية أبخازيا كشخصية دولية قائمة بذاتها، ولكن من دون أن تعترف رسمياً باستقلالها. وهنا، جاء البيان الروسي بمثابة خطوة تحذيرية للغرب ولحلف الناتو على وجه التحديد. وكان قد اعتمد في يناير/ كانون الثّاني من العام 1996 قراراً، ضمن إطار رابطة الدول المستقلة يقضي بالامتناع عن إجراء عمليات اقتصادية أو تجارية مع سلطات أبخازيا من دون موافقة الحكومة الجورجية.

وقد حددت القيادة الأبخازية ماهية المساعدة التي تريد الحصول عليها من روسيا، وهي تشمل تسهيل إجراءات عبور السلع بين روسيا وأبخازيا، وإعادة افتتاح الخطين البري والبحري اللذين يربطان الإقليم بالفيدرالية الروسية وتطبيق جميع مشاريع الرعاية والحماية الاجتماعية على الرعايا الروس المقيمين في الإقليم.

ومما له دلالة، أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تعمد قبيل انعقاد قمة بوخارست توجيه تحذير صريح إلى القيادة الجورجية مفاده أن روسيا قد تعيد النظر في العلاقة مع جورجيا إذا قررت الانضمام إلى حلف الناتو. ولم يستبعد خبراء روس أن تقدم موسكو في هذه الحالة على الاعتراف رسمياً باستقلال إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، ويمكن القول الآن إن هذا التهديد ربما مثل أحد أسباب استبعاد ترشيح جورجيا لبرنامج عضوية الحلف.

وما يمكن قوله خلاصة هو أن القضية الأبخازية ستمثل العامل الأكثر ضغطاً على مقاربة جورجيا للانضمام لحلف الناتو، وسوف تبقى هذه القضية ورقة رابحة بيد الروس لإبعاد الجورجيين عن هذا الحلف، على الرغم من أن غالبيتهم قد صوتت لمصلحة الانضمام إليه. وفي التحليل الأخير، فإن جورجيا ستبقى بؤرة ساخنة من بؤر التجاذب الروسي الأطلسي. * كاتب بحريني
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"