مرتفعات الجولان ومنخفضات السياسة

03:09 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.عبدالعزيز المقالح

ما يحدث في سوريا منذ وقت غير قصير، يصعب تعليله أو التكهن بمآلاته؛ فالكيان الصهيوني ودعمه اللامحدود من الولايات المتحدة من جهة، والتنافس الإيراني والتركي من جهة ثانية، والغياب العربي الشامل من جهة ثالثة؛ أنتج هذا الواقع الصعب. لقد عزلت سوريا نفسها عن محيطها العربي، وفتحت نافذة مع جوار إقليمي، أثار حساسية بقية الأقطار العربية. وهكذا زادت العزلة السورية، وصار من السهل الانفراد بها، وتفتيت وحدتها، ووصل الأمر، أخيراً بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لأن يُعلن سيادة «إسرائيل» على مرتفعات الجولان إلى حد إلحاقها بالأرض الفلسطينية، التي تحولت بقوة الحديد والنار إلى مستوطنة صهيونية. وكأن الأرض العربية ضيعة تابعة لحدائق البيت الأبيض.
إن السياسات المغلوطة المتبعة من قبل البعض، دون رؤية واقعية إليها، ودون النظر إلى العواقب؛ هي التي قادت الأمور في بعض الأقطار العربية إلى ما هي عليه الآن، ومن هذه الأقطار سوريا التي بات يتقاسمها القريب والبعيد، وصارت وحدتها الوطنية في كف عفريت؛ بعد أن كانت نموذجاً في الوئام والسلام، وذاب في بريق وحدتها النزوع الطائفي، دينياً كان أو عرقياً، وأنها - كما يقول اسمها- العربية السورية وكفى.
كما كان وضعها الاقتصادي على درجة عالية من النماء والاستقرار، وأوردت وسائل الإعلام العربية والأجنبية اسم سوريا مقترناً بالاكتفاء الذاتي من القمح، وهو العجز الذي تعانيه كل الأقطار العربية دون استثناء، فأين سوريا الآن وما كانت عليه منذ سنوات قليلة؟ ولماذا تتغير بين عشية وضحاها؟، إلى عكس ما كانت عليه وفي وقت هو أقصر ما يكون في حياة الشعوب.
والرد المطروح بقوة على هذه التساؤلات، يبدو في اتباع السياسات المغلوطة، والاندفاع السريع نحو المظاهر ذات المكاسب الآنية، والاستقواء بما لا يشكل قوة؛ بل يشكل ضعفاً، وليس نظام الأشقاء في سوريا وحده هو الذي يفعل ذلك، ويصنع حتفه بكفه، أنظمة عربية فعلت ذلك، ونال بعضها عواقب أمرْ، في حين أن بعضها الآخر ما يزال ينتظر تلك العاقبة المؤكدة. ولا مجال لإنقاذها من الغرق الراهن والغرق القادم إلاَّ بموقف عربي شامل، يتناسى معه القادرون على الإنقاذ كل الحساسيات ومشاعر الخصومات القديمة. ولا مناص من الاندفاع نحو إصلاح ما يمكن إصلاحه، وترميم ما يمكن ترميمه، قبل أن يتمكن الطامعون من توزيع المغانم، وتقديم أجزاء من الأرض العربية هدايا وصدقات وهم في مأمن من ردود الأفعال القومية الشاملة.
إن المقولة التي تتردد على ألسنة بعض البائسين «الجولان لإسرائيل لا لإيران» هي مقولة بائسة، والأصح في هذا المجال القول: إن الجولان عربية، وستبقى عربية، وإذا كان وضع السياسة منخفضاً في بعض الأفكار العربية؛ فإن وضع المشاعر في نفوس أبناء الشعب العربي ما تزال في ارتفاع وتصاعد، ولن يكون حصاد المتسرعين والمتخاذلين سوى المزيد من النوم، والاستسلام للواقع، وما يفرضه الأقوياء، وما يؤسف له أن نتائج مؤتمر القمة الأخير، الذي انعقد في تونس، والذي صادف توقيته الأجواء الساخنة المرافقة لقرار الولايات المتحدة بضم الجولان إلى بقية الأراضي المغتصبة من قبل دويلة الكيان لم تكن قراراته بالمستوى المطلوب؛ من حيث الرد على ما صدر عن الإدارة الأمريكية؛ إذ لا تكفي الإدانة وحدها، ولا التمسك بعروبة المرتفعات. كان يجب أن يكون الرد أقوى وأشد؛ كي لا تتجرأ دولة أخرى على اتخاذ قرار مماثل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"