مستقبل ميركل السياسي في يد اللاجئين

03:25 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. غسان العزي

كشفت المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل عن انفتاح منقطع النظير حيال تدفق اللاجئين (أو المهاجرين...) إلى ألمانيا، إلى درجة أنها أعلنت ذات مرة «أن لا حدود رقمية لحق اللجوء»، والذي اقترب من المليون. لكن المشاكل التي بدأت تواجهها السلطات المحلية لإيواء اللاجئين، والذين اندلعت حوادث ومشاغبات كثيرة في ما بينهم، بدأت تؤثر في الرأي العام المؤيد لسياسة الهجرة «الميركلية»، إلى درجة أن استطلاعات الرأي بينت أنه إذا جرت الانتخابات اليوم فإن الحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم لن يستحوذ على أكثر من 36 في المئة من الأصوات، كما تراجعت شعبية ميركل عشر نقاط منذ نهاية الصيف الماضي، ما دفع بعض المراقبين للتساؤل عن قدرتها على إكمال ولايتها؛ واضطرارها للاستقالة في وقت غير بعيد.

لقد برهنت ألمانيا عموماً على حماسة وتعاطف مع اللاجئين، وكرست 11 مليار دولار لاستقبالهم ودمجهم في نسيجها الاجتماعي، لكن يبدو أن الأمور بدأت تأخذ منحىً مختلفاً، فالتذمر بدأ يظهر في صفوف الرأي العام بسبب غياب الأفق المنظور لنهاية تدفق اللاجئين، والذين تتكاثر الشجارات والحوادث بين صفوفهم ما يتطلب تدخل القوى الأمنية، كما بدأت السلطات المحلية تئن تحت عبء استيعابهم وتأمين مساكن وأعمال لهم ومدارس لأولادهم.
وتسهم في تعكير الأجواء الأمنية الاعتداءات، المعزولة عموماً، التي تقوم بها فصائل اليمين المتطرف والنازية الجديدة ضد مراكز إيواء اللاجئين إلى درجة إحراق بعضها عمداً، وضد الناشطين الألمان الذين تبرعوا بالعمل في هذه المراكز.
من الأمثلة الكثيرة على ذلك تعرض رئيسة بلدية كولونيا هنرييت بيكر لطعنة في عنقها من قبل متطرف شوفيني، قال إنه فعل ذلك لمعاقبتها على استقبال اللاجئين وخدمة لمواطنيه الألمان. أمّا حركة «بيغيدا» المتطرفة، التي ولدت في العام الماضي في مدينة دريزده والتي يفخر زعيمها لوز باخمان بهتلريته، فتقوم بتنظيم المظاهرات التي تضم الآلاف ضد المستشارة ونائبها الديمقراطي- الاجتماعي سيغمان غابرييل بسبب سياستهما حيال اللجوء والهجرة.
حتى اللحظة لا مستقبل سياسياً لمثل هذه الحركات الشعبوية المتطرفة، لكن الخطر في أن تتحد فيما بينها وتستغل أجواء معينة لتحصد أصواتاً في الانتخابات. حركة «بديل لألمانيا»، التي أنشأها في العام 2013 مجموعة من الصناعيين والأساتذة الجامعيين ضد اليورو وأوروبا، انضمت إلى الحركات المناهضة للاجئين، وبعد أن اقتربت، في الانتخابات الماضية، من عتبة الخمسة في المئة الضرورية للاستحواذ على مقاعد في البرلمان (البوندستاغ) فإنها قد تحصل على سبعة في المئة اليوم، بحسب استطلاعات للرأي.
هذا التهديد بدأ يشعر بجديته الحزب الديمقراطي- المسيحي، والذي قامت استراتيجيته على احتلال المساحة السياسية بين الوسط واليمين، ومنع بزوغ أي حزب قوي على يمينه، ففي قواعد الحزب بدأ الوضع يصبح دراماتيكياً، بحسب تعبير وزير المالية ولفغانغ شوبل الذي يدعم المستشارة، لكنه كعارف بشؤون حزبه (فهو نائب عنه منذ أكثر من أربعين عاماً) يشعر بالقلق من تراجع دعم الحزبيين لميركل، حيث تتناقل ما بينهم الرسائل والإشارات الدالة على التململ من الصعوبات التي تواجهها البلديات والأقاليم من استقبال اللاجئين.
حتى أن بعض الفيدراليات الحزبية بدأت تطالب علناً بتغيير السياسة وإقفال الحدود، أكثر من ذلك فإن الوزير في الحكومة ورئيس بافاريا هورست شيهوفر، وهو حليف ميركل ومنافسها المحتمل، انضم إلى النداءات المطالبة بإقفال الحدود أمام اللاجئين، وبافاريا هي باب دخول اللاجئين إلى ألمانيا من هنغاريا والنمسا.
لكن ميركل تكرر منذ الصيف الماضي أن «ألمانيا بلد قوي وسوف ننجح» في حين أن الذين يعملون على الأرض يجيبونها: «لا لن ننجح». أمّا استطلاعات الرأي فتدق ناقوس الخطر، فبعد أن حصل الحزب الحاكم على 41% من الأصوات في انتخابات سبتمبر/أيلول 2013 فإنه لن يتجاوز 36% اليوم. وتتعرض ميركل لانتقادات تخلط ما بين سياساتها الداخلية، الهجرة واللجوء، والخارجية، لاسيما تقاربها مع تركيا أردوغان (التي تستقبل بالمناسبة مليونين ونصف المليون لاجئ ومنها تنطلق معظم موجات المهاجرين) وروسيا بوتين (التي يتسبب تدخلها العسكري في سوريا بالمزيد من موجات الهجرة)، وحتى الصين التي زارتها مؤخراً.
رغم ذلك فمن المبالغة التفكير بأن ميركل قد تدفع دفعاً للاستقالة سواء من قبل حلفائها أو خصومها. فلاتزال، رغم كل شيء، الشخصية الأكثر شعبية في حزبها ولدى الرأي العام. بل إن هناك من يقول إنها الأقوى في الغرب نظراً لضعف الرئيس أوباما وتردده. والوحيد الذي يمكن له منافستها هو وزير ماليتها شوبل، لكنه لا يمل من التأكيد أن لا طموحات لديه في المستشارية، أما وزيرة الدفاع أورسولا فون درليان، والتي بالمناسبة تدعم علناً سياسات ميركل، فإنها تتخبط في فضيحة أطروحتها للدكتوراه في الطب والمتهمة بأنها منقولة وفيها غش كثير، عدا أن وزارة الدفاع نفسها مشتبه بها في قضايا شراء معدات وأجهزة، أما هورست شيهوفر، فبات مفرطاً في يمينيته ولا شعبية له خارج بافاريا. ومنذ أن تسلمت ميركل زعامة حزبها في العام 2000 فقد حرصت على منع بزوغ أي منافس لها فيه، وأولئك الذين تجرأوا على منافستها أزيحوا من المشهد السياسي الواحد تلو الآخر، واليوم إذا تمكنت من تجاوز مشكلة المهاجرين فإنها ستبقى إلى العام 2017، بل قد تنجح في الانتخابات المقبلة في سابقة لم تحدث في تاريخ ألمانيا الموحدة، لكن يبدو أن عليها أن تخفف من حماستها حيال استقبال اللاجئين، فأي عمل أمني قد يخرج من صفوفهم من شأنه أن يطيح في لحظة واحدة بكل ما تبقى لها من مستقبل سياسي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"