مفكرو الكوكب الصغير

02:49 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

في مناظرة بين أربعة من كبار مفكري الغرب، نظمتها مؤسسة آوريا الكندية في عام 2015، حول سؤال «هل أفضل أيام البشر قادمة؟»، يلاحظ القارئ للكتاب الذي صدرت ترجمته العربية مؤخراً معنونة بالسؤال نفسه، ذلك الهم العام الذي ينطلق منه المشاركون في المناظرة، ويتعلق بأوضاع البشر كافة. توجد إشارات هنا أو هناك لخصوصيات ما، ولكن وضع ما حققته الحضارة الإنسانية ككل، على بساط البحث والتحليل للوصول إلى إجابة علمية عن السؤال، كان هو الإطار الذي انخرط فيه المتحاورون، الذين نجحوا في التخلص من أي تحزب أيديولوجي ربما يقلص فضاءات ذلك العصف الذهني المؤنسن حول مستقبل حياتنا الحقيقية المتعلقة بالغذاء، والصحة، والتعليم، ومعدلات العمر المتوقعة..الخ.
تغري قراءة وقائع المناظرة، بطرح سؤال يتعلق بنا هنا في العالم العربي: إلى أي مدى يمتلك «المفكرون العرب» ذلك الأفق المفتوح على مدارات لا نهائية، بحيث يتعاطون مع مثل هذه القضايا، وغيرها، بوصفنا جزءاً من العالم؟ والواقع، أنه يندر أن نجد أحد مفكرينا إلا متورطاً في قضايا التراث والحداثة، أو غارقاً حتى أذنيه في أطروحات حول التاريخ، والأسباب التي أعاقت العرب عن التقدم، وحتى إن تطرقوا إلى الصحة أو التعليم نلاحظ في الأغلب ذلك الربط الميكانيكي والمسيس بقدرة العرب، أو عجزهم في مسائل التنمية، أما الشأن العالمي فيبدو أنه لا يقع ضمن أولوياتهم.
وهذه الظاهرة لا تقتصر على المفكرين الأكاديميين، أو المنظّرين في مختبراتهم البحثية، وجلساتهم الخاصة، ولكنها تمتد لتشمل المثقفين كافة، من شعراء، وأدباء، وروائيين. نحن في العالم العربي نهلل عندما يصدر هذا الكاتب، أو ذلك الشاعر الغربي، بياناً يدين فيه مثلاً، الممارسات «الإسرائيلية» تجاه الفلسطينيين، ونتذكر بامتنان أعضاء الوفد الذي تضمن أسماء أدبية عالمية بارزة عدة، كسروا حصار الراحل ياسر عرفات، وزاروه في منزله، ولكن لم نقرأ يوما نصاً، أو بياناً لأحد الأدباء العرب تجاه حرب، أو كارثة وقعت في هذا المكان، أو ذاك بعيداً عن العالم العربي.
هنا نحن لا نتحدث عن مسؤولين، أو محللين سياسيين، ولكن عن تلك الفئة المتعددة الأطياف، التي تشمل شرائح «المثقفين» كافة، ويفترض فيهم في الأصل الاهتمام أولاً بحياة وكرامة وحرية الإنسان في مختلف بقاع الأرض، ولا يمكن في حالتنا الركون إلى منطق يعلل غيابنا عن العالم بجسامة الشأن العربي المحلي، ففي النهاية نحن لا نلتفت إلى آلام الآخرين، ويبدو أن تلك الظاهرة تحتاج إلى تحليل أبعد من ذلك المنطق، تحليل جريء لكي لا يظل «المفكرون العرب» داخل كوكبهم الصغير الذي ربما لا يتجاوز موقع أقدامهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"