مواسم انتخابية ساخنة

04:21 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

تشهد ثلاث دول عربية في هذه الآونة انتخابات توصف بالساخنة، ففي لبنان جرت الانتخابات النيابية يوم أمس السادس من مايو الجاري، بعد أن مدد المجلس النيابي الأخير ل«نفسه» لسنتين ونصف السنة، بما يجعلها محاولة استدراكية لوضع المؤسسة البرلمانية مجدداً على السكة الصحيحة. وتتنافس في هذه الانتخابات أعداد كبيرة وقوائم عديدة، بعد اعتماد التمثيل النسبي في قانون الانتخابات مع صوت تفضيلي لأحد المرشحين في القائمة المختارة، وذلك كصيغة للجمع بين النظام الانتخابي السابق القائم على التنافس الفردي وبين التمثيل النسبي الذي يعتمد لأول مرة في هذا البلد.
وتونس أيضاً شهدت في اليوم نفسه انتخابات محلية للبلديات، ورغم أن هذه المناسبة تتعلق أساساً في التنافس بين المرشحين والقوائم على الأمور الخدمية لمدنهم ومناطقهم، إلا أن الطابع السياسي يطغى على هذه الانتخابات، حيث اندفعت الأحزاب من جميع الاتجاهات للمشاركة بكثافة في الترشيح، وذلك في محاولة لاستكشاف مدى ما تتمتع به من حظوظ لدى الناخبين، وذلك تهيئة للانتخابات النيابية المقررة في العام المقبل 2019.
أما في العراق فتشتد الحملة الانتخابية للانتخابات النيابية المقررة يوم السبت المقبل 12 مايو الجاري. وبدورها فإن بلاد الرافدين تعرف اندفاعاً كثيفاً في أعداد المترشحين وتنشط الحملات عبر مختلف الوسائل والمنابر المتاحة من أجهزة الإعلام «التقليدية»: صحف ومجلات ومحطات إذاعة وتلفزة، إلى وسائل الاتصال الإلكترونية على اختلافها، فضلاً عن مخاطبة الجمهور بصورة مباشرة عبر تنظيم مهرجانات انتخابية لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً.
وبطبيعة الحال فإنه ليس هناك تماثل بين أجواء الانتخابات في البلدان الثلاثة، وذلك لاختلاف الوضع السياسي وحتى طبيعة النظام السياسي بينها، ولأن لجمهور الناخبين في كل بلد أولويات ورؤى تختلف عن البلد الآخر. غير أن خصائص ومظاهر عامة تجمع هذه المناسبات في هذه البلدان، والأبرز بين هذه الخصائص والمظاهر هو سخونة هذه المناسبة وما يكتنفها من انفعالات سياسية واجتماعية وإعلامية عالية، ولدرجة وقوع بعض التجاوزات على القانون وعلى سلامة بعض المترشحين، كما حدث في لبنان منذ منتصف إبريل الماضي. ومردّ هذه السخونة هو اختلاط الفرز الاجتماعي بالسياسي، ومحاولة كل فئة تعويض ما تراه خسائر منيت بها على صعيد التراتب السلطوي، أو محاولة تثبيت مكاسب تم انتزاعها سواء بطرق مشروعة أو غير مشروعة هنا وهناك. وفي كل من العراق ولبنان يختلط الفرز الطائفي والاجتماعي بقوى من المجتمع المدني، تنشد خرق الاستقطاب الطائفي وتجاوزه إلى أفق وطني عام، ثم بالتنافس الحزبي والمناطقي، حيث تتكاثر الأحزاب والتيارات السياسية وتتكاثر معها المنابر الإعلامية المنبثقة عنها، وبعض هذه التيارات طفا إلى السطح مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي. بينما تعرف تونس تكتلات حزبية لا تتوانى عن إطلاق الخطاب الشعبوي، وذلك لخصوصية هذه الانتخابات التي تتعلق بالحاجيات الحياتية الملحة مع وعود من هنا وهناك بمكافحة الفساد والإرهاب.
الأمر الآخر الذي يجمع هذه الانتخابات في البلدان الثلاثة أنها تطلق وجوهاً وأسماءً وحتى قوى لم يُعهد عنها الانشغال بالشأن العام. فالتدافع يجتذب الكثيرين لخوض غماره، سواء كانوا مؤهلين لذلك أم لا، وخاصة من الفئات الميسورة، التي تبحث عن وسيلة لتحقيق مصالحها ومصالح الفئات التي تمثّلها، مع السعي في الوقت نفسه لاكتساب وجاهة اجتماعية وحظوة سياسية لدى السلطات أو لدى المجتمع. وواقع الأمر أنه بتأمل الإقبال الكثيف على الترشح، فإن مقولة «موت السياسة» تجد ما يؤكدها وما يدحضها في الوقت نفسه، والمقصود هنا بالعبارة تراجع أغلبية الجمهور عن الاهتمام بالشأن العام والاستعاضة عنه بأمور أخرى، كالاندفاع إلى الاستهلاك أو الانشغال بالرياضة والفن بالتدين أو الانشغال بالنجاح الفردي دون سواه. وعليه فإن إقبال فئات جديدة على الترشح من أصحاب رؤوس الأموال أو المهنيين أو البيروقراط أو المتصدرين اجتماعياً في عائلاتهم ومناطقهم، هو دليل على أن عالم السياسة ما انفك يجتذب طامحين جدداً لخوض هذا المعترك، وبهذا المعنى فإن السياسة لم تمت، على أن مفهوم السياسة نفسه تحوّل إلى تشريف لا تكليف، وإلى بوابة للوجاهة وللنفوذ، وأخذ يفقد شيئاً فشيئاً مضمونه الفكري والرسالي كميدان لتصارع الآراء والمعتقدات السياسية من أجل الصالح العام.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"