هل تكتمل «صفقة القرن»؟

03:56 صباحا
قراءة 3 دقائق
إلياس سحّاب

ليس صحيحاً أن عملية محاولة تصفية قضية فلسطين تصفية نهائية تغطي وتبرر كل آثار الجريمة الأصلية التي ارتكبت بحق هذا القطر العربي وشعبه، وليست وليدة الإدارة الأمريكية الجديدة التي ولدت بانتخاب دونالد ترامب رئيساً جديداً للولايات المتحدة، كما يعتقد البعض أو يصدقون، لكنها صفقة كانت معششة في قلب مشروع الاستيلاء على فلسطين العربية، وتحويلها قسراً إلى وطن قومي لليهود، منذ أن ولد هذا المشروع في أدراج وزارات الخارجية والاستخبارات الأوروبية في منتصف القرن التاسع عشر كرد على ظهور مشروع عربي وصل إلى مشارف عاصمة الإمبراطورية العثمانية. وهكذا فإن فكرة تصفية آثار الجريمة وتثبيتها إنما تستحق لقب «صفقة القرون»، لأنها ولدت منذ منتصف القرن التاسع عشر، واستغرقت القرن العشرين بأكمله، وها هم يحاولون إلقاء الستار النهائي على الجريمة الأصلية بعد استكمال أركانها لتغطي كل أرجاء فلسطين العربية، وإلغاء معالم وجود شعبها الأصلي، في العقود الأولى للقرن الحادي والعشرين.
وما عبارة «على ألا تمس مصالح سكان البلد الأصليين» الواردة في وعد بلفور البريطاني في العقد الثاني من القرن العشرين، سوى للتمويه وإبعاد الأنظار عن النوايا الحقيقية المحركة للمشروع الاستعماري - الصهيوني بإنشاء «إسرائيل»، على أرض فلسطين العربية.
فمنذ أن ظهر المشروع، كانت فلسفته الكبرى تتلخص في العبارة التي تقول «إن المشروع سيعطي أرضاً بلا شعب، إلى شعب بلا أرض».
هذا في الدوائر الاستعمارية الأوروبية، أما في الدوائر اليهودية، فقد كانت الوكالة اليهودية تضم منذ إنشائها في مطلع القرن العشرين، جهازاً يحمل اسم «لجنة الترانسفير»، أي اللجنة التي ستتولى تهجير سكان فلسطين الأصليين وتشتيتهم في البلاد المجاورة، وإلغاء أي وجود لشعب فلسطين في أرضه التاريخية.
هذا هو العنوان الكبير للمشروع، منذ مرحلة الانتداب البريطاني لفلسطين، حتى التأسيس الأول لدويلة «إسرائيل» في العام 1948، ومع استكمال احتلال بقية أرض فلسطين في حرب العام 1967.
لذلك لم يكن غريباً، بل استكمالاً لمراحل المشروع الأساسي، والجريمة الأساسية، دأب «إسرائيل» اليومي منذ أول يوم لاحتلال العام 1967، على استكمال تهويد القدس، ثم تهويد الضفة الغربية بأسرها، مع فرض الحظر النهائي على حق العودة الفلسطيني، وصولاً إلى خطوة ترامب الأخيرة باعتبار القدس عاصمة أبدية ل«إسرائيل». كل هذا الذي تم مؤخراً ليس سوى استكمال تاريخي للخطة الأصلية للجريمة الأصلية والمشروع الأصلي: استكمال تهويد أرض فلسطين التاريخية، بنسبة مئة بالمئة، ومنع الملايين من الفلسطينيين من حق العودة المشروع، مع إخضاع من بقي من الفلسطينيين على أرضهم التاريخية، في مرحلتي 1948 و1967 لنظام عنصري.
غير أن الذي غاب عن مخططي المشروع الأصلي ومنفذي مراحله المتعددة عبر ثلاثة قرون حتى الآن، أن حركة بهذا المستوى لا يمكن محو كل آثارها إلا لو استطاعوا إلغاء وجود عرب فلسطين، سكان البلاد الأصليين، إلغاء كاملاً.
قد تبدو الظروف العربية الرسمية المتراجعة إغراءً يوحي بالقدرة على استكمال هذه المراحل، فرصة سانحة لاستكمال مراحل المشروع الأصلي، لكن التاريخ يقول لنا إنه ما دام إلغاء شعب فلسطين عصياً على أصحاب المشروع، فإن استكمال مراحله إلى نهاية طموحاتهم، ما هو إلا أضغاث أحلام.
فما دام عرب فسطين موجودين، على كل أجزاء فلسطين المحتلة وفي جوارها، فإن هذا المشروع سيكون هو المستحيل بحد ذاته.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"