هل من فسحة للأمل؟

05:23 صباحا
قراءة دقيقتين
المشهد سوداوي وغارق في حلكة ليل قد يطول، والتطورات المتسارعة على أكثر من صعيد في عالم اليوم، تكاد تلغي آخر ما تبقى من مخزون يسير من الأمل المحبوس في قلوب الكثير ممن ينتظرون حتى بات الانتظار حالة، ومن يترقبون حتى بات الترقب خبز يومهم، والتخوف ماءه، فيما السؤال الذي ملّ قرع أسماع الساسة والقادة ما زال معلقاً ومطروحاً بقوة، هل من فسحة للأمل؟
المتشائمون وهم كثر، سيقولون إن الأمل مفقود منذ زمن بحدوث تغيير إيجابي، أو تحوّل على مستوى عالمي يحمل بذور مستقبل، إن لم يكن أفضل، فهو على الأقل أوضح، وسيحاججون ساعات طويلة، موردين الكوارث الطبيعية والبشرية التي تغزو العالم كسرب جراد أتى على حقل، فهناك بروز القوى المتطرفة المتسترة بالأديان والمتسلحة بالإرهاب، في أكثر من مكان، وهناك الزلازل والبراكين والسيول والأوبئة من عيار "إيبولا" وأخواتها اللواتي أثخنّ قتلاً بالضعفاء، شأنهن شأن الإرهاب الذي وسع فئة المستضعفين على مستوى العالم .
ولن يفوّت هؤلاء "المتشائمون" الفرصة، من دون الحديث عن تقلبات الاقتصاد العالمي، والفشل الجماعي في تحقيق الأهداف التنموية، وغير ذلك من مظاهر ازدواجية المعايير في التعاطي مع القضايا، والانحياز للمجرمين على حساب الضحايا .
أما المتفائلون وهم ليسوا قلة، فإنهم ما زالوا متمسكين بآخر خيوط الأمل المتاحة، ويرون أن العالم مقبل على تغيير، وإن طالت مرحلة الانتقال إليه، ويحاججون شأنهم شأن خصومهم، بأن عمق الأزمات والصراعات الممتدة على رقعة العالم، ليس إلا مرحلة تحضيرية وأول بشائر التغيير المنتظر، وهم إلى جانب ذلك يؤمنون أن الشعوب المستضعفة قادرة على الخروج من أزماتها بإرادتها الحرة وقوتها الذاتية، في ظل عصر عولمة الحريات والحقوق، وأن المتنطعين بالأديان والأخلاقيات باتوا مكشوفين وتحت الشمس، وليسوا قادرين على الخداع والتستر مجدداً .
الواقع يجمع بين هؤلاء وأولئك، ولعل الإفراط في الأمل، شأنه شأن المغالاة في التشاؤم، لن يحل أزمات العالم، ولن يحّولها بجرّة قلم إلى واقع جديد، ولن يسهم إلا في المزيد من التأزم والتصعيد وإضافة المآسي إلى بعضها بعضاً، وهنا يبرز السؤال الأكثر منطقية ممثلاً في كلمتين هما "أين الحل؟"، والإجابة لن تكون ببساطة السؤال .
الحل المنشود ليس مجرد خطاب سياسي أو توافق دولي، أو جرعة وعود تذهب أدراج الرياح بمجرد صدورها عن أفواه مطلقيها، إنه عمل تراكمي يأخذ بعداً جماعياً، ولا يحتمل تقديم المصالح الذاتية على المصالح العامة، ولا التعاطي بانتهازية نابعة من نرجسية قائد أو شعور مكذوب بالتفوق، فالكل سواء أمام هذا الوضع، ومن لم تصله نيرانه بعد، ليس عليه إلا الانتظار ليحس قريباً بسخونة الموقف .
الحل ليس نظرية تضاف إلى سلسلة لامتناهية من النظريات التي ماتت في متن الكتب، ولا شعاراً مستهلكاً يهدف إلى حصد مكاسب سياسية، إنه عملية، ما يعني أنه ينتظر من يعمل، لا من يقول، وعلى هذا الأساس فإن نافذة الأمل ستظل مفتوحة، طالما فهم من بأيديهم الأمر أن الإمكانات موجودة، ومقرونة بالإرادة .
على "المتفائل" و"المتشائم" أن يلتقيا في منتصف الطريق، ويحاولا إيجاد آلية لعمل مشترك، ينهي هذه الحالة المستعصية، فبدونهما لا يستقيم أمر، ولا يرى حل النور .

محمد عبيد
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"