نبوءة الثمانين.. بين الرعب منها وتحديها

00:06 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. ندى أحمد جابر

هذا هو الشعب «المحتار» وقد بدأ يبحث عن نقطة يضعها فوق الحاء ليعود كما يسمي نفسه الشعب «المختار»، لكن النقطة سقطت في هواجس الحيرة التي تعم هذا الشعب المؤمن بنبوءة الثمانين. فمنــذ أن استدعى إيهــــود باراك رئيــــس الــوزراء الإسرائيلي السابق، التاريخ اليهودي في مقالة كتبها في صحيفة «يديعوت أحرونوت» في 7 مايو عام 2022 بعنوان «التهديد الحقيقي لإسرائيل هو الكراهية بين اليهود»؛ حيث ذكّر بأن «مملكة داود وسليمان»، وهي الأولى لليهود، لم تصمد أكثر من 80 عاماً وكذلك «مملكة الحشمونائيم» وهي الثانية لهم التي انتهت أيضاً في عقدها الثامن.. في حين إسرائيل وهي الدولة الثالثة تزحف بجيل الـ75 المهزوز داخلياً بانقسامات شاسعة عرقية ودينية، والمُهددة خارجياً بصمود المقاومة المُصرة على استرداد حقوقها.
هذا الجيل «المحتار» يزحف بكل الرعب نحو العقد الثامن.. وأضاف أنه يخشى أن تنزل بها اللعنة كما نزلت سابقاً، محذراً من العواقب الوخيمة للاستخفاف بأي تهديد قائلاً: «أصبح من الواجب حساب النفس منبهاً إلى أن إسرائيل أبدت قدرة ناقصة في الوجود السيادي السياسي». وأضاف قائلاً: «إن المشروع الصهيوني هو المحاولة الثالثة، ووصلنا إلى العقد الثامن، ونحن كمن استحوذ علينا الهوس بتجاهل صرخات تحذيرات التلمود، نُعجل النهاية.. وننغمس في الكراهية». مشيراً إلى التفكك الداخلي الذي تشهده البلاد.
وقد تناول الكُتاب العرب هذا المقال، مؤكدين الخوف والرعب الذي يسود أوساط هذه الدولة الغريبة عن محيطها؛ فهي داخلياً تتألف من عرقيات مختلفة تتباين في أصولها من الأوروبية ومن الأمريكية ومن القادمة من البلدان العربية والإفريقية وغيرها لا يجمعها سوى الديانة اليهودية، وحتى في الدين هناك الظهور الطاغي للمتشددين الأصوليين الذين يناهضون علمانية القوانين في الدولة ولا يعترفون بيهوديتهم ويعيشون في مناطق خاصة بهم يَرفضون الاختلاط بمن يسموهم غير متدينين.
تحدث الكثير من الكُتاب العرب عن مقالة إيهود باراك كونها تُخوّف الشعب من القدر المحتوم. لكن الحقيقة أنه ذكرها ليحثهم على السعي لتحدي هذا القدر وهذه اللعنة التي تقلقهم، والتي جعلت منهم الشعب «المحتار» بين التحضير للرحيل، أو لحرب أهلية قد يَشنها المتشددون عليهم، أو لانتصار المقاومة التي تزداد صلابة وتتسلح وتُطالب بالعودة إلى أرضها المسلوبة.
مخاوف الزوال سيطرت على القاعدة الشعبية وعلى حكام الدولة. إيهود باراك ليس الأول الذي تحدث عن لعنة الثمانين، فقد سبقه نتنياهو الذي قال: «سأجتهد كي تبلغ إسرائيل عيدها المئة»، وأضاف: «التاريخ يعلمنا أنه لم تُعمّر دولة يهودية أكثر من ثمانين سنة». والمخاوف نفسها ترددت على لسان رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت.. وما إطالة الحرب والتجرد من كل روح إنسانية في القتال بل والتفنن في فنون إجرام لم تحدث قط في أي حرب سابقة، سوى هوس المتشددين، وهم أكثر المؤمنين بالنبوءة، وخوفهم من حدوثها، وبدء الانحدار وزوال الدولة.
المتشددون الأصوليون في إسرائيل هم من يدعمون رئيس الوزراء الحالي نتنياهو ليبقى على كرسيه، وهو يدعمهم ليبقى على كرسيه فيتركهم يتحكمون بالجيش ويَعصون أوامر رؤساء لهم إن لم تتوافق مع قناعاتهم الدينية المتطرفة.. هم أشبه ما يكونون في تطرفهم بـ(داعش وأخواتها.. وإخوانها) ومن يسيطر عليه التعصب الأعمى يفقد بوصلة الطريق.. نتنياهو يفكر في كرسيه ولا يفكر في الأرض التي يقف الكرسي عليها.. وهي أرض مهزوزة بالانقسامات الداخلية، فاليسار منقسم واليمين منقسم والمتشددون الأصوليون أيضاً منقسمون فيما بينهم، بينما مخاوف العقد الثامن تسيطر عليهم جميعاً، ويسعى المتطرفون لتحديها، وربما ظنوا أن معركة مع عدو خارجي قد توحّد الصف الداخلي.
لكن ما حدث هو العكس؛ إذ أثبتت الأحداث أن المتشددين لا يهتمون كثيراً بتحرير الأسرى لسببين؛ أولاً هم يسار، ثانياً هم في نظرهم غير متدينين ولا يعترفون بيهوديتهم؛ لذلك نجد هذا الاستهتار في مفاوضات «تحريرهم» وهذا ما يُعمّق الشرخ الداخلي بين أهل الأسرى والمتشددين. وهــذا فــــي الحقيقة ما يزيد تخـــوف الساسة والمفكرين الإسرائيليين من أن تلحق اللعنة بهم مرة أخرى، خاصة أن شكل السقوط في المرتين السابقتين كان مرتبطاً بالدرجة الأولى بالتفسخ والانقسام المجتمعي.
وهو بالضبط ما تشهده إسرائيل حالياً.. وهنا لا بد أن نذكر ما صرح به «هنري كيسنجر»، وهو السياسي المعروف باستشراف الحروب قبل وقوعها؛ حيث أعرب (قبل وقت قصير من وفاته) لشبكة (سي إن إن) عن توقعاته القاتمة فيما يتعلق بإسرائيل.. وقال: «إنه يشعر بالقلق إزاء فرص إسرائيل في البقاء على المدى الطويل».
الشعب «المحتار» يتأرجح بين الأسئلة الكثيرة.. هل ستجتاز إسرائيل هذه اللعنة؟ وهل حرب غزة التي هزت ضمائر العالم مجرد خوف من هذه النبوءة ورغبة في تحديها بأي ثمن؟
هذا هو واقع الشعب «المحتار بأمره» ينتظر الثمانين برعب ويتخبط في مشهد يحيّره ويحيّر العالم كله..
مشهد الجندي المُدجج بالأسلحة الذكية ومع ذلك يرتجف رُعباً وخوفاً، بينما الضحية البريء يموت مبتسماً ومستبشراً.
يبقى السؤال.. هل ستتحقق النبوءة التاريخية؟ أم ستنجح إسرائيل في تحدي هذا القدر؟
الجواب.. هذا ما ستؤكده الأيام المقبلة.

*كاتبة وباحثة في الدراسات الإعلامية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n8he6k2

عن الكاتب

كاتبة وباحثة في الدراسات الإعلامية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"