«الفلاشا» يفضحون عنصرية الاحتلال

03:36 صباحا
قراءة 4 دقائق
حلمي موسى

فجّر قتل الشرطة «الإسرائيلية» مطلع الشهر الجاري، أحد أبناء المهاجرين اليهود من إثيوبيا المعروفين ب«الفلاشا»، موجة غضب واسعة بين أبناء هذه الطائفة التي تعاني تمييزاً عنصرياً واضحاً تجاهها، ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تقتل فيها الشرطة أو تنكل بشبان من الفلاشا لا لشيء إلا للون بشرتهم.
رأى معلقون «إسرائيليون»، أن موجة التظاهرات التي بدأها أبناء الفلاشا، والتي اتسمت هذه المرة بالعنف والشمول، تنسف مفهوم «بوتقة الانصهار» في الكيان.
ويؤكد المتابعون لمظاهر العنصرية، سواء الموجهة نحو العرب أو نحو اليهود الشرقيين، أن العنصرية مكون أساسي في الدولة العبرية، وأن ما يظهر هو فقط طرف جبل الجليد.
والواقع أن العنصرية، استشرت في الاحتلال أولاً ضد العرب ثم ضد اليهود من الدول العربية في العقود الأولى لإقامة «إسرائيل».
وقد أنشأ أبناء الطوائف اليهودية الشرقية، وخصوصاً القادمين من المغرب العربي، ما عرف بظاهرة الفهود السود التي نددت بالعنصرية الأشكنازية وتصادمت معها.
وبعد ذلك ونتيجة احتدام مظاهر العنصرية وتوجيهها ضد العرب، تراجعت مظاهر العنصرية ضد اليهود الشرقيين، وعادت العنصرية واتخذت أشكالاً أشد وضوحاً مع هجرة يهود الفلاشا في سبعينات وثمانينات القرن الماضي.
ولا يمكن فهم أسباب غضب يهود الفلاشا من تعامل المجتمع «الإسرائيلي» معهم من دون العودة بعض الشيء إلى التاريخ القريب، فاسم «الفلاشا» في إثيوبيا يحمل بعض معاني الاحتقار والازدراء، ويعني باللغة الأمهرية «المنفيون» أو «الغرباء».
ولا ينتمي يهود «الفلاشا» دينياً وعرقياً لأي من التيارين الرئيسيين لليهودية المعاصرة في الاحتلال، السفارديم والأشكناز، ويدعون أن أصولهم تعود إلى أسباط اليهود العشرة المفقودة.
وكانت إثيوبيا طوال عقود، وخصوصاً أثناء حكم الإمبراطور هيلاسيلاسي، على علاقة سياسية وأمنية وطيدة مع اليهود، لكن طوال تلك الفترة لم يكن قادة الاحتلال يرون في الفلاشا يهوداً وأن لهم فيهم مصلحة، فقط بعد حرب 1973 ونتيجة الحاجة إلى هجرات حسم الحاخام الشرقي الأكبر، عوفاديا يوسف، الخلاف بشأن الفلاشا وأعلن أن أبناء طائفة بيتا «إسرائيل» في إثيوبيا هم يهود.
وخالف الحاخام عوفاديا بذلك الحاخام الأشكنازي الأكبر، شلومو غورن، الذي رفض اعتبارهم يهوداً.
ولكن هذا الحسم لم يجعل الفلاشا يهوداً بكل معنى الكلمة؛ إذ أصر حاخامات على إعادة تهويد الفلاشا بعد وصولهم إلى «إسرائيل».
وهذا جعل الفلاشا نوعاً من الأسرى في أيادي المؤسسة الدينية وأحزابها الأشكنازية والسفاردية على حد سواء.
عموماً بدأت تتبلور مظاهر عنصرية شديدة ضد الفلاشا مع تزايد أعدادهم في «إسرائيل» ومع تعاظم انخراطهم في المجتمع. ومعروف أن هجرة الفلاشا بدأت بالمئات في العام 1977 بعد أن جرت عمليات تهريب لهم عبر الأراضي السودانية.
وخلال خمس سنوات تم تهجير ستة آلاف ليتبعهم بعد ذلك في «عملية موشي» سبعة آلاف آخرين. غير أن أكبر عملية تهجير ليهود الفلاشا والتي أسميت «عملية سليمان» تمت في العام 1991 وتعدت أكثر من 15 ألفاً، وفي السنوات اللاحقة ازداد عدد الفلاشا في الاحتلال ليصل حالياً إلى حوالي 150 ألفاً.
وواجه يهود الفلاشا مصاعب في استيعابهم في «إسرائيل»؛ حيث رفضت بعض الأحياء والبلدات استقبالهم فأقاموا في معسكرات استيعاب قبل نقلهم إلى أحياء خاصة في أطراف بعض المدن كالخضيرة والعفولة.
وتعرضوا لإشكاليات متزايدة في السكن والتعليم والعمل والدين والأهم في مسألة يهوديتهم في مجتمع يتعامل معهم بشك. ولم تفلح سياسات الحكومات المتعاقبة في دمجهم بالحياة العامة، لأن المجتمع ظل ينظر إليهم كمجموعة مختلفة عرقياً وذات مكانة متدنية.
وزاد الطين بلة فضيحة رمي الدماء التي يتبرع بها أبناء الفلاشا في المستشفيات بدعوى تجنب الإصابة بمرض الإيدز، ونتج عن كل ذلك تزايد الإحساس بالتفرقة ضدهم على كل المستويات الشعبية والرسمية.
وما يميز هذه التظاهرات، أن معظم المشاركين فيها حالياً ليسوا من المهاجرين الفلاشا، وإنما من أبناء الجيل الثاني، الذي ولد في الاحتلال وعانى بنفسه العنصرية.
وتتكرر دوافع هذه التظاهرات، وخصوصاً إطلاق الشرطة النار على شبابهم لأتفه الأسباب، فقد قتلت الشرطة 11 يهودياً إثيوبياً، بينهم اثنان في العام 2019 هما يهودا بيادغا وسلومون تاكا في يناير ويوليو.
ولم تقتصر تظاهرات أبناء الفلاشا على الأحياء التي يقيمون فيها، بل نقلوها مراراً إلى مراكز المدن في «تل أبيب» والقدس وإلى الطرق الرئيسية بين المدن.
ويعزو خبراء اجتماعيون تفاقم التوتر بين يهود الفلاشا وباقي المجتمع اليهودي في «إسرائيل» إلى عناصر مختلفة بينها شبابية هذه الطائفة ومصاعب اندماجهم؛ إذ أظهرت دراسة حول المراهقين من أبناء الفلاشا، أن متوسط أعمار أبناء الطائفة هو 20 عاماً في حين أن متوسط أعمار المجتمع اليهودي هو 31 عاماً.
ولا يجد أغلب هؤلاء مكاناً لهم في المدارس الرسمية فينضوون تحت لواء المدارس الدينية التي تمارس التمييز ضدهم.
وغدت الفلاشا، طائفة متقوقعة يتزوج حوالي 90 في المئة داخل الطائفة وفي ظل الأزمات صارت نسبة الطلاق بينهم ضعف ما هي في «إسرائيل».
وأياً تكن الحال من الواضح أن الصراع في ظاهره هو بين الشرطة والفلاشا، لكنه أعمق من ذلك بكثير تشهد على ذلك قلة مظاهر التضامن من جانب المجتمع اليهودي مع مشاكل أبناء هذه الطائفة.
ونظراً لأن المجتمع الصهيوني، عنصري بطبيعته، فمن المؤكد أن احتجاجات أبناء الفلاشا، ستظل تنفجر بين حين وآخر.
وواضح أن العنصريين في «إسرائيل»، وبالرغم من عدائهم العلني للعرب وجدوا في لون بشرة أبناء الفلاشا، ما يؤكد عنصريتهم العلنية والمستترة.
وقد اعترف القاضي المتقاعد ألياكيم روبنشتاين الذي يرأس مجلس جماهيري ضد العنصرية، أن «العنصرية موجودة في «إسرائيل» وفي المؤسسة الحاكمة»، وتتأكد هذه العنصرية يومياً ضد العرب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"