«المـــوت الأســود» التهـــم نصـــف العـالــــم

أزمات مرت
03:26 صباحا
قراءة دقيقتين
إعداد: مها عادل

يستخدم مصطلح «جائحة الموت الأسود» في الدراسات التاريخية للدلالة على وباء «الطاعون» الذي ضرب العالم في منتصف القرن الرابع عشر الميلادي، ووصل لذروته بين 1347 و1355، وتسبب حسب تقديرات المؤرخين بموت ما يقارب من ثلث إلى نصف سكان العالم.
اتفق أغلبية المؤرخين على أن الطاعون بدأ في الشرق الأقصى ثم تقدم نحو بلدان الشرق الأوسط والمنطقة العربية، مع حركة التجارة البرية والبحرية ووصل إلى أوروبا عبر نقطتين: الأولى مدينة «كافا» التجارية في شبه جزيرة القرم، والتي كانت تتعرض لحصار من بعض قبائل المغول، والثانية موانئ إيطاليا التجارية مثل جنوه والبندقية والتي كانت تستقبل السفن والبضائع من مناطق موبوءة في الشرقين الأقصى والأوسط؛ حيث يفترض أن هذه السفن نقلت المرض عبر الفئران التي تختبئ داخلها.
ويروي المؤرخون مشاهد مرعبة عن وقائع «الموت الأسود» في أوروبا، الذي لم يفرق بين أحد، وأبيدت قرى بأكملها، فلم تجد الأراضي من يزرعها، وخلت شوارع المدن الكبرى والأسواق التجارية من السكان، وكانت الحصيلة اليومية من الموتى بالآلاف، وعندما انتهى الوباء كانت بعض المناطق الإيطالية قد فقدت ما يقارب 80% من سكانها بينما فقدت فرنسا قرابة 40% والجزر الإنجليزية من ثلث إلى نصف سكانها.
أما في بلاد المشرق فينقل لنا المؤرخ الكبير تقي الدين المقريزي، مشاهد مماثلة من الموت الجماعي الذي اجتاح العراق والشام ومصر حينها فيقول: «عم الوباء أقاليم الأرض شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، جميع أجناس بني آدم وغيرهم حتى حيتان البحر وطير السماء ووحش البر».
ويقدر المقريزي، أن القاهرة وحدها مات فيها نحو 900 ألف شخص ويقول: «وهلك أكثر أجناد الحلقة وخلت أطباق القلعة من المماليك السلطانية لموتهم‏، وحينما حل شهر ذو القعدة‏، كانت القاهرة خالية مقفرة لا يوجد في شوارعها مار؛ بحيث إنه يمر الإنسان من باب زويلة إلى باب النصر فلا يرى من يزاحمه لكثرة الموتى والاشتغال بهم».
وعلى الرغم من هول وباء الموت الأسود وشدة وطأته على الناس في القرون الوسطى، فإن الحياة استمرت، فبعد سنوات الشدة انحسرت الجائحة عن العالم وتقول الدراسات التاريخية الحديثة، أن تأثير هذه الجائحة كان إيجابياً على أوروبا من أوجه عدة، فكسرت الخرافات التي كانت تعيشها أوروبا في عصور الظلام، وجعلت شعوبها تهتم أكثر بالعلم ونظافة المدن وحسن تخطيطها ومهدت لعصر النهضة الأوروبية الذي بدأ في إيطاليا، والتي كانت للمفارقة الشديدة هي أكثر بلدان أوروبا تأثراً بالموت الأسود.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"