الإعلان الدستوري في السودان..آمال بالاستقرار

02:09 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. أميرة محمد عبدالحليم

في الرابع من أغسطس الجاري، وقع ممثلون عن المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير بالسودان بالأحرف الأولى على الإعلان الدستوري، فوقع الوثيقة كل من نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو «حميدتي»، وأحمد الربيع عن قوى إعلان الحرية والتغيير، على أن يتم التوقيع النهائي في 17 أغسطس الجاري، ثم إعلان أسماء مجلس السيادة في 18 أغسطس، وحل المجلس العسكري الحالي، وتشكيل مجلس وزراء يبدأ عمله في نهاية الشهر الجاري، على أن يعقد أول اجتماع بين المجلسين في الأول من سبتمبر؛ حيث تبلغ مدة الفترة الانتقالية 39 شهراً ابتداء من توقيع الإعلان الدستوري على أن تجرى انتخابات في نهايتها، وستُعطى الأولوية في الأشهر الستة الأولى من الفترة الانتقالية إلى إرساء السلام بين الفصائل السودانية في المناطق التي تشهد نزاعات.
بموجب الإعلان الدستوري، ستكلف الحكومة الانتقالية بالعمل على إعداد إصلاحات قضائية واقتصادية ووضع أسس سياسة خارجية متوازنة، وسيتألف المجلس السيادي من 11 عضواً هم ستة مدنيين وخمسة عسكريين.
وقد بعث توقيع الإعلان الدستوري، الكثير من الآمال في استعادة الاستقرار وتحقيق التغيير المنشود الذي يسعى إليه الشعب السوداني، والذي كافح خلال الشهور الأخيرة لتحقيقه، وقدم العديد من التضحيات في سبيله، كما تضمن نص الاتفاق بنداً يلزم سلطات البلاد بانتهاج سياسة خارجية متوازنة وغير منحازة لأي محور في الشرق الأوسط.
ووفق ما أكده مبعوث الاتحاد الإفريقي إلى السودان محمد الحسن لبات، فإنه عقب التوقيع الرسمي على الاتفاق الشامل بين الأطراف السودانية، الذي سيتم في 17 من الشهر الجاري، سيرسل تقريراً إلى رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى الفكي، يوصي فيه بإنهاء تعليق عضوية السودان في المنظمة القارية «في أسرع وقت». وقد قوبل هذا الاتفاق بترحيب إقليمي ودولي كبير؛ حيث تترقب السودان، أن ترفع الولايات المتحدة اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتلغي العقوبات الاقتصادية عليها، بناء على ما ستسفر عنه المرحلة الانتقالية من الوصول إلى حكم مدني ديمقراطي.
إلا أن هذا الاتفاق لا يزال تنتظره العديد من التحديات، تلك التحديات ترتبط بطبيعة الأزمات الداخلية والخارجية للسودان؛ حيث تنتظر الهيئات الانتقالية العديد من الملفات، التي تتطلب تتضافر الجهود لتسويتها في سبيل الوصول إلى الحكم المدني المنشود.
وفي مقدمة هذه الملفات الترتيبات المتعلقة بالهياكل العسكرية في الدولة، فقد أقرت وثيقة الإعلان الدستوري في الفصل الحادي عشر الخاص بالأجهزة النظامية في البند المتعلق بالقوات المسلحة، أن القوات المسلحة وقوات الدعم السريع مؤسسة عسكرية وطنية حامية لوحدة الوطن وسيادته، تتبع القائد العام للقوات المسلحة وخاضعة للسلطة السيادية.
فعلى الرغم من الانتهاكات التي قامت بها قوات الدعم السريع ضد المحتجين والاتهامات الكثيرة الموجهة إليها، إلا أنه يبدو أن الطريق للوصول إلى اتفاق بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، وفي ظل التجاذبات والخلافات التي كانت تهدد باندلاع حرب أهلية في السودان، دفعت قوى المعارضة للقبول بإرجاء محاسبة هذه القوات على ما ارتكبته من جرائم والقبول بوجهة نظر المجلس العسكري، فيما يتعلق بدورها خلال المرحلة الانتقالية في سبيل توقيع الاتفاق مع المجلس العسكري والخروج من دائرة التهديدات، التي أصبحت تحيط بقوى التغيير وتلوح بإجهاض الثورة.
إلا أن استمرار وجود قوات الدعم السريع بتكوينها ووظائفها الحالية، ضمن الهياكل العسكرية للدولة يثير الكثير من القلق؛ حيث يعتبرها البعض قوة موازية للجيش الوطني السوداني، كما أنها ليست مدرجة تحت مظلة مجلس الوزراء، مما يجعل هناك صعوبة في محاسبتها.
وامتداداً للتحدي الأمني الذي يطرح نفسه بقوة على مسار تنفيذ الاتفاق السياسي والإعلان الدستوري الأخيرة، تبرز أزمة الجماعات المسلحة في البلاد، فقد أعلنت جماعات من الجبهة الثورية في 30 يوليو، تأييدها للإعلان الدستوري، إلا أن جماعات مسلحة أخرى، أعربت عن انتقادها للاتفاق السياسي بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي، وأشارت إلى أنه يمثل عائقاً رئيسياً، لتحقيق السلام في السودان، فقد انتقد ياسر عرمان، نائب رئيس الحركة الشعبية الاتفاق السياسي والإعلان الدستوري الموقع بين الجانبين، وأكد في تصريحات لجريدة «الشرق الأوسط»، على أنهما يحتاجان إلى عملية إصلاح، تخاطب قضايا السلام والديمقراطية وحقوق المواطنة.
وأضاف: «بالرغم من أن هنالك أجزاء إيجابية في الإعلان الدستوري، فإن الوثيقة لم تدرج في الاتفاق السياسي، ولم يتضمن الاتفاق رؤية واضحة وحاسمة لموضوع السلام المرتبط بالاقتصاد وإصلاح العلاقات الخارجية ومعاش الناس».
وقال عرمان إن عدم الالتزام بالاتفاق كاملًا نتج عنه خلل في العملية السياسية، و «يجب على قوى الكفاح المسلح، أن تدخل العملية السياسية وتعمل على توسيعها».
كما تشهد العاصمة الخرطوم، تظاهرات منذ إعلان نتائج لجنة التحقيق في فض الاعتصام في 3 يونيو، الذي أشار إلى تورط قوات أمن بينها قوات الدعم السريع في العملية الدامية، «دون أن يتلقوا أوامر رسمية بذلك».
ولا يتوقف الأمر عند التحدي الأمني، فهناك تحديات اقتصادية وسياسية مختلفة، مما يجعل فرص تطبيق الاتفاق السياسي ونجاح الشعب السوداني في تحقيق التغيير، مرتبطة من ناحية بوعي القوى السياسية المختلفة بحساسية المرحلة، التي يمر بها السودان، وما يمكن أن تؤدي إليه التفاعلات بين القوى المختلفة في هذه المرحلة، ومن ناحية أخرى يتطلب تطبيق الاتفاق إرادة سياسية من جميع الأطراف، ومحاولة تجاوز المشكلات والخلافات الراهنة بين القوى السياسية، إلى جانب محاولة الحد من التدخلات الخارجية، التي تزيد من حالات الانقسام الداخلي عبر المحاور الإقليمية، والاعتماد على السياسية الرشيدة في تحديد علاقات السودان الإقليمية والدولية، أيضاً دعم الشارع السوداني ومطالبه المرتبطة بتحقيق العدالة ومحاسبة قتلة المتظاهرين.
وقد وصلت قوى التغيير إلى نقطة حاسمة، فيما يتعلق بمستقبل السودان بعد نجاحها وبمساعدة الوسطاء الإقليميين في الوصول إلى هذا الاتفاق، وقد وحدت الرغبة في التغيير وإسقاط حكم البشير الكثير من الأحزاب والنقابات والقوى الشعبية المتناقضة والمتنافسة في الرؤى والمصالح ويبقى التحدي الرئيسي الآن، وبعد انطلاق ترتيبات المرحلة الانتقالية هل ستنجح هذه الأطياف المختلفة في التوافق لتحقيق المصلحة العليا للبلاد، بعد أن بدأت عجلة التغيير في الدوران، أم أنها ستعود إلى التمحور حول مصالحها الفئوية الضيقة للحصول على مكاسب من هذه المرحلة، وقد اتجه تجمع المهنيين أحد أبرز مكونات قوى الحرية والتغيير المحركة للثورة في السودان، نحو تحديد الدور الذي يتطلع للمشاركة خلاله في تحقيق التغيير المنشود، وهو تحقيق العدالة بما يعبر عن اصطفافه مع مطالب الشارع السوداني، واختار المشاركة في السلطة التشريعية، ليكون في موقع المراقبة للسلطة التنفيذية، وكذلك تشريع القوانين، وبما يسمح بتحقيق أهداف المرحلة الانتقالية.
ويتطلع الشعب السوداني، إلى أن تبحث جميع القوى السياسية عن أدوار إيجابية في هذه المرحلة، تصب في مصلحة الجميع، وهذا ما ستكشفه الأيام المقبلة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"