الانتخابات الجزائرية.. بين الرفض والقبول

04:36 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. أميرة محمد عبدالحليم

على الرغم من مرور أكثر من سبعة شهور على بداية الحراك الشعبي في الجزائر الذي انطلق لرفض ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة، وتطور ليصبح ثورة تطالب بإسقاط النظام القديم بكل رموزه وبناء دولة مدنية ديمقراطية، ومع فشل السلطة في إجراء الانتخابات وتأجيلها مرتين زادت وطأة الأزمة السياسية الخطيرة التي تعيشها البلاد.
واجه إعلان الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح موعد الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر القادم ردود فعل متباينة ما بين القبول والرفض، فقد رحب بها البعض باعتبارها الطريق الأمثل لتسوية الأزمة السياسية في حين رأى البعض الآخر أن الانتخابات الرئاسية لم تعد المسار المرغوب من العديد من قوى الشعب خلال الفترة الراهنة، لأن التغيير الشامل الذي يتطلع إليه الشعب لم يتم إنجازه بعد، وأن الإعلان عن موعد الانتخابات صادف تصعيداً من السلطة والحراك الشعبي على السواء، حيث كشفت مظاهرات الجمعة(31) للحراك عن هذه المواقف.
فقد اتسعت الهوة بين الشعب ورئيس أركان الجيش وأصبح التشكك بين الجانبين هو السائد، وكل القرارات التي يتخذها قايد صالح ينظر إليها بريبة شديدة، فعلى الرغم من سعيه إلى اجتثاث الفساد والقبض على الكثير من المتهمين ورموز النظام السابق من بينهم جنرالات في الجيش الجزائري ورؤساء قطاعات للأمن ورؤساء حكومات سابقون ورجال أعمال كانوا شركاء للنظام في عهد بوتفليقة، وكذلك الأمين العام لحزب جبهة التحرير الحاكم، إلا أن الكثيرين لا يرون أن هذه الخطوات مجدية في القضاء على رموز النظام السابق ومنعهم من المشاركة في المرحلة المقبلة من المستقبل السياسي للجزائر، حيث لم تصدر أحكام ضد هؤلاء الفاسدين، كما لا يتمتع القضاء بالاستقلالية التي تؤهله للتحرك في مواجهة الفساد. فقد انعقد المجلس الوطني للنقابة الوطنية للقضاة يومي 20 و21 سبتمبر الجاري، وسجل جميع قضاة الجمهورية انتقادهم الشديد للوضع المزري الذي يعيشه القضاء في الجزائر، واستمرار تجاهل مساعيهم للتكريس الفعلي لاستقلالية القضاء، انسجاماً مع الدستور الذي ينص على مبدأ الفصل بين السلطات.
كما أعطى قايد صالح - بعد الإعلان عن موعد الانتخابات بثلاثة أيام - تعليمات لقوى الأمن بمنع الحافلات القادمة إلى العاصمة الجزائرية من الولايات الأخرى والتي تحمل مواطنين يسعون للمشاركة في المظاهرات التي تشهدها العاصمة كل يوم جمعة منذ 22 فبراير، حيث اعتبر البعض أن هذا القرار يتناقض مع الدستور الذي يكفل حق التظاهر، كما أنه مناف لحق التنقل المكفول لكل المواطنين.
ومن ناحية أخرى، يرى الرافضون إجراء الانتخابات الرئاسية في الموعد المعلن عنه أن تحديد موعد الانتخابات جاء لإسكات الحراك الشعبي، وأن شروط وظروف إجراء انتخابات نزيهة تقود إلى التغيير المرتقب باختيار رئيس جديد للبلاد لا تزال غير متوافرة مع بروز الكثير من المشكلات، فلا تزال مطالب الحراك بإسقاط النظام القديم بكل رموزه لم تتحقق ومن هؤلاء ما عرف ب«الباءات الثلاثة» حيث استقال الطيب بلعيز رئيس المجلس الدستوري، في حين لا يزال عبد القادر بن صالح على رأس الدولة، ونور الدين بدوى على رأس الحكومة، وكذلك عدم الإفراج عن الناشطين والمعارضين السياسيين الذين تم اعتقالهم على واقع الحراك الشعبي، بالإضافة إلى إشكالية معالجة الوضع الاقتصادي الذي يسير من سيئ لأسوأ.
كما يرى الكثيرون أن الدستور الراهن لا يتوافق مع تطلعات الشعب الجزائري، ويحتاج إلى تعديلات جذرية في بعض مواده، حيث يعطي هذا الدستور صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية، بما يحول دون تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات الذي يسعى الجزائريون إلى تحقيقه عبر دولتهم المدنية المنشودة.
ومن ناحية ثالثة، تتصاعد المخاوف لدى قوى الحراك الشعبي من أن تكون الانتخابات مجرد مسار لإعادة إنتاج النظام السابق، بأن يستخدم هذا النظام الانتخابات للمرور إلى السلطة مرة أخرى ولكن وفق واجهات جديدة. فعلى الرغم من مخاوف الاصطدام بمطالب الحراك الشعبي، المتمسك بالقطيعة مع النظام السابق، أعربت بعض الأحزاب السياسية التي كانت موالية للرئيس السابق بوتفليقة، عن رغبتها في مشاركة قادتها في الانتخابات الرئاسية ومن بين هذه الأحزاب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، وحزب التحالف الجمهوري الذي يقوده مساعد وزير الخارجية السابق بلقاسم ساحلي.
وأعلنت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات سحب 14 شخصاً استمارات جمع التواقيع التي تعد شرطاً لقبول ترشحهم، وفي مقدمة هؤلاء علي بن فليس رئيس الحكومة الأسبق ورئيس حزب «طلائع الحريات»، وعبد القادر بن قرينة رئيس حركة «البناء الوطني» الإسلامية الذي تولى وزارة السياحة خلال الفترة من 1997 إلى1999 وعبد العزيز بلعيد رئيس حزب جبهة المستقبل، وكذلك لمحت حركة «مجتمع السلم»، الإسلامية، التي تعد أكبر أحزاب المعارضة في البلاد إلى ترشيح رئيسها عبد الرزاق مقري للسباق.
ولا يقف الجدل حول الانتخابات الرئاسية في الجزائر عند حدود الداخل الجزائري، لكن هناك بعض الدول تراقب ما يحدث في الجزائر عن كثب لمعرفة ما ستؤول إليه أزمته السياسية، فالجزائر دولة محورية في إقليمها وقامت بأدوار رائدة في محاربة الإرهاب وتحقيق الاستقرار في محيطها إلى جانب ما تمتلكه من ثروات من الموارد الطبيعية أهمها النفط والغاز وتطوراتها السياسية تؤثر في مستقبل التوازنات الإقليمية.
وفي الأخير، يمكن القول إن الشارع الجزائري لا يرفض إجراء الانتخابات الرئاسية، لأنه يعلم جيداً أن التحول إلى دولة مدنية ديمقراطية لن يكون إلا عن طريق صناديق الانتخابات، إلا أن الكثير من قوى الحراك ترى أن البلاد لا تزال غير مؤهلة لإجراء هذه الانتخابات في ظل استمرار الحرب على الفساد ومحاولة العديد من عناصر النظام السابق المرور مرة أخرى إلى المشهد السياسي الجزائري عبر مسارات مختلفة، فلم يتم التخلص من هؤلاء الرموز، كما أن تراجع الثقة بين الحراك الشعبي وقيادة الجيش الجزائري يمثل مشكلة حقيقية، فقد ساندت المؤسسة العسكرية الجزائرية تطلعات الشعب الجزائري، مما أدى إلى تقديم الرئيس بوتفليقة لاستقالته في إبريل الماضي، واستمرار هذه المساندة من المؤسسة العسكرية يدعم الشعب في مساعيه للقضاء على الفساد واسترداد دولته.
فلم تنعم الجزائر بمرحلة انتقالية على غرار ما تشهده السودان، يتم خلالها وضع سياسات لإعادة ترتيب المؤسسات بما يسمح بتحقيق الإصلاحات ومواجهة قضايا الفساد، ومعالجة مواد الدستور وقد طالبت بعض الأحزاب والقوى السياسية بوجود مرحلة انتقالية، إلا أن التطورات دفعت في اتجاه عقد الانتخابات الرئاسية التي تنتظرها الكثير من التفاعلات ليستمر الرهان على قدرة الشارع الجزائري على المرور من هذه المرحلة مع الإصرار على تنفيذ مطالبه من ناحية، والحفاظ على سلميته التي أبهر بها العالم من ناحية أخرى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"