التوهم الإلكتروني

00:22 صباحا
قراءة 7 دقائق
تحقيق: راندا جرجس
أصبحت مواقع التصفح الإلكتروني السبيل الأمثل لتقضية الوقت ومتابعة جميع الأخبار والمعلومات لقطاع كبير من الأشخاص حول العالم، ولم يقتصر الأمر على متابعة الأحداث فقط ولكن قد يصل الأمر ببعض الناس إلى البحث عن تشخيص لأعراض يشعرون بها وعلاج أمراضهم عبر مواقع الأنترنت، ولذلك نطرح هذا السؤال «هل أنت مصاب بتوهّم المرض الإلكتروني» ويساعدنا في الإجابة مجموعة من الأطباء والاختصاصيين.

أبان الدكتور ياشار علي استشاري الجراحة العامة أن استخدام الإنترنت لتشخيص الأمراض قد يتسبب بحالات صحية أسوأ، ففي الآونة الأخيرة تنامت ظاهرة لجوء المرضى إلى الاستعانة بمواقع الإنترنت للحصول على النصائح الطبية بدلاً من طلب مشورة الطبيب المختص، مما قد يزيد الحالة الصحية سوءاً ويتسبب بمخاوف لا داعي لها، وبخصوص ذلك نؤكد على أهمية مراجعة الطبيب المختص عند ظهور أي عوارض مرضية بسبب عدم دقة التشخيص والطبابة الذاتيين، حيث من المحتمل للبحث المفرط على شبكة الإنترنت أن يؤدي إلى الإصابة بحالة «السايبركوندريا»، وهو نمط سلوكي قهري يصيب المرء نتيجة الإفراط بتصفح مواقع الإنترنت لتشخيص مرضه، وفي هذا الإطار، أشارت الكثير من الدراسات العالمية إلى قيام نسبة كبيرة من مستخدمي الإنترنت بالبحث عن العوارض المرضية التي أصيبوا بها، بدلاً من استشارة الطبيب الاختصاصي أولاً.
وأكمل د. علي، قام العديد من المستخدمين في عدة دول باستشارة مواقع الإنترنت بحثاً عن أدوية محتملة أو تشخيـص حالتهم الصحية بناء على عوارضهم المرضية، وقد يصبح هذا التوجه ضاراً، إذ يمكن للنتائج التي يحصل المريض عليها عبر شبكة الإنترنت أن تتسبب بإصابته بالتوتر والقلق، ولا نقول إنه من الخطأ تصفح الإنترنت للحصول على مزيد من المعلومات، ولكن ينبغي أن تنحصر مهمة إجراء التشخيص السليم واختيار الدواء الملائم على الأطباء المختصين.
وأضاف د. علي: يمكن «للسايبركوندريا» أن تؤدي إلى الإصابة بـالتوهم المرضي، أي القلق المزمن حيال العافية، وقد يصبح أمراً مرهقاً للمرء أن يعيش في حالة خوف دائمة من الإصابة الفعلية أو الوهمية بالمرض، حيث يعتقـد بأن حالته أسـوأ بكثير مما هي فعلياً، وقد يسيء المريض تشخيص عوارض بسيطة ليجعل منها مؤشراً على مرض خطر، ولذلك ينبغي أن تتم استشارة الطبيب المختص قبل استخدام أي دواء لأن معظم العقاقير تنطوي على آثار جانبية ضارة في حال تم استخدامها على نحو غير صحيح«.
وأردف الدكتور علي: صادفنا الكثير من المرضى الذين خضعوا للتطبيب أو التشخيص الذاتي نتيجة حصولهم على استشارات من مصادر طبية مختلفة عبر الإنترنت، ولذلك ينبغي توعية المرضى حول مخاطر وثوقهم بمصادر غير معتمدة أو مصادق عليها في مجال تقديم الاستشارات الطبية، ويمكن للمرء تشخيص مشاكل صحية بسيطة مثل الإنفلونزا، ولكن التشخيص الذاتي لعوارض أكثر جدية ينطوي على مخاطر أكثر بكثير، وقد يصبح الوضع أكثر تعقيداً عندما يكون المريض طفلاً أو شخصاً متقدماً بالسن، وغالباً ما يؤدي البحث عبر الإنترنت عند الإصابة بأمراض بسيطة إلى نتائج طبية أسوء من الحالة الفعلية للمريض، ومن هذا المنطلق، يمكن للمرء أن يثقف نفسه حول مختلف الأمراض باستخدام شبكة الإنترنت، ولكن لابد في نهاية المطاف من زيارة الطبيب المختص للحصول على الفحوص والتشخيص والطبابة بشكل دقيق، وثمة الكثير من الأسباب التي تجعل بعض الأشخاص يفضلون اللجوء إلى شبكة الإنترنت للحصول على الإجابات ومنها سهولة الوصول، وشدة القلق، وحالة الانزعاج أو التردد أو الرغبة بإجراء بعض البحوث الخاصة قبل أن يحين موعد الذهاب إلى الطبيب.
وأوضح الدكتور رياض صالح محمودي استشاري الأمراض الباطنية والقلبية: إلى أنه ومع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي والمنتديات والتي تُنشر فيها معلومات طبية، ظهر ما يعرف باسم الوهم الإلكتروني، وهو مرض جديد بدأ ينتشر بسرعة وفى تزايد مستمر، وأصبح مقلقاً للأوساط الطبية نظراً للتعقيد وصعوبة الكشف عنه، بالرغم من أن زيارة الطبيب ولو لنصف ساعه قد تغني عن الكثير من المخاطر والأضرار التي قد تؤدي بحياتنا بسبب الاستخفاف بتناول أي دواء دون التأكد من أنه يناسب الحالة المرضية أم لا، فإن تصفح المعلومات الطبية عن طريق الإنترنت يعطي معلومات عامة سطحية للمريض وخاصة الذي ليس لدية إلمام بالأمور الطبية، للتعرف إلى بعض المعلومات التي تخص حالته التي يشكو منها بدون مراجعة الطبيب المختص، كما أن اللجوء للتشخيص عن طريق الإنترنت يجعل المريض يجد أن الأعراض المرضية التي تظهر عليه تتشابه مع أعراض أخرى لأمراض أخرى فيحدث له التباس في الموضوع، حيث يعتقد الغالبية أنهم مصابون بتلك الأمراض والتي أحياناً تكون أمراضاً خطرة مما يخلق حالة ارتباك ووسواس مقلق شديد لخوف المريض على حالته الصحية.
وأشار د. رياض: إلى أنه حسب الدراسات العلمية الحديثة فإن الوهم الإلكتروني في ازدياد مستمر وبصورة مقلقة، كما أن الإنترنت يحتوي على معلومات عامة وواسعة من الزكام إلى السرطان، وبعض الأحيان تكون الأعراض لبعض الأمراض البسيطة متداخلة مع أعراض لأمراض خطرة كالسرطان والجلطات الدماغية والقلبية وهذا يسبب قلقاً كبيراً وتوتراً للذين يبحثون عبر الأنترنت عن تشخيص للأمراض التي يعانوها، وأيضاً هناك فئة تزور الطبيب زيارات سريعة فقط لحل مشاكلهم، كما أشارت دراسة علمية حديثة أن الملايين ممن يلجأون إلى الإنترنت في حل مشاكلهم وتشخيص أمراضهم بدلاً من زيارة الطبيب، وهم في الحقيقة يخاطرون بحياتهم، كما وجدوا أن واحد من بين ستة أشخاص ممن يتبعون هذا الأسلوب الخاطئ فى تشخيص وعلاج الأمراض عبر مواقع الإنترنت ينجو بمعجزة.
وأكد د. رياض أن أغلب المعلومات الطبية المنتشرة على مواقع الشبكة العنكبوتية فقط للمعرفة والمعلومات العامة، وليست للتشخيص والعلاج الذاتي وفى أغلب الأحيان تفتقر هذه المعلومات للصدق، وأهم أعراض الوهم الإلكتروني تتمثل في مجموعة متداخلة من الأعراض المرضية والشعور بالإحباط والتشاؤم مما يجعل الطبيب عاجزاً عن التشخيص الدقيق للمرض الحقيقي حيث إن المريض يتقمص أعراضاً أخرى قد سيطرت عليه من خلال قراءته لها على الأنترنت وغالباً ما تكون لأمرض مزمنة وخطرة وقاتلة.
وتشير بعض الدراسات أيضاً إلى أنه أصبح هناك ما يسمى بمهاويس الإنترنت حيث إن هؤلاء الأشخاص الذين يقومون بتشخيص المرض لأنفسهم ينتهي بهم المطاف إلى العزلة وفقدان عملهم وعدم التواصل الاجتماعي وقد يتطور الأمر للقلق من رؤية الطبيب الحقيقي على الإطلاق، وفى حياتنا العملية كأطباء وجدنا أن هناك فئة أخرى بعدما تأتي للزيارة والكشف ويتم التشخيص وكتابة العلاج اللازم، يقوم المريض أيضاً باللجوء للإنترنت للبحث عن تفاصيل أكثر حول مرضه ويدخل وقتها في متاهة تناول بعض الأدوية غير المناسبة لحالته الصحية وأضرارها الجانبية، وغالباً ما يقوم بترك أدويته وتناول هذه الأدوية التي وجدها
وأكد أن هناك مسؤولية تقع على الطبيب أيضاً فهناك بعض الأطباء لا يعطون الوقت الكافي لشرح الحالة المرضية للمريض، أو يطلب من المريض عمل فحوص وتحاليل ولا يوضح له السبب في ذلك، أو يكتب له مجموعة أدوية ولا يعطيه فكرة عن كل دواء
وقال الدكتور خلدون أبودقة اختصاصي في الجراحة الصدرية: إنه ومع التقدم المعلوماتي والتطور التقني الذي نشهد، أصبح من السهولة بأي مكان أن نطلب الاستشارة من مواقع التصفح الإلكتروني وأكثرهم انتشاراً هو»الدكتور Google» في أيّ عرض أو شكوى نشعر بها غير مدركين ما قد يترتّب على هذا التشخيص الذاتي للمرض عبر الإنترنت من توهمات وتفاقم لحالة مرضية جديدة باتت تُعرف باسم: توهّم المرض الإلكتروني، حيث يقوم الشخص بالقراءة والاطلاع على الأمراض وأعراضها ومن ثَمّ توهمها كنتيجة لخلل في فهمها وتفسيرها، ولقد أصبح هذا الأمر سلوكاً شائعاً لدرجة بيّنت معها إحدى الاستطلاعات أن 7 من أصل 10 أشخاص يلجأون للبحث عن معلومات طبية على الشبكة العنكبوتية قبل طلب استشارة الطبيب لأسباب تتراوح من ألم بسيط إلى صداع وغير ذلك، حيث تقودهم الشكوك والتفسير الخاطئ إلى زيادة مخاوفهم وقلقهم وتفاقم أعراض مرضهم أكثر مما كانت عليه قبل تصفّحهم، حتى إن بعضهم يقصِد المختبر طالباً إجراء فحص مخبريّ معين اعتماداً على بحثه، مما قد ينتهي أحياناً بانهيار عصبي خاصة عند من تطورت لديه قناعة أنه مصاب بمرض لم يقدر الأطباء على كشفه بعد.
ولاكتشاف إن كنت مصاباً بتوهم المرض الإلكتروني، نصح د. خلدون القارئ بالإجابة عن الأسئلة التالية وإذا كانت الإجابات بنعم فاعرف أنك مصاب بتوهم المرض الإلكتروني ولابد من طلب مساعدة طبية للسيطرة على هذه الحالة:
• هل تلجأ للبحث على شبكة الإنترنت عن أي شعور غريب تحسه أو أي عرض مبهم يعترضك؟
• هل حالتك الصحية تتفاقم عقب البحث والقراءة حيث تشعر بتوعك وتظهر لديك أعراض بعد قراءتها لم تكن موجودة سابقاً؟
• ألا يكفيك البحث في مصدرين أو ثلاثة مصادر بل وتدفعك نتائج البحث السيئة للبحث والتصفح أكثر؟
• كلما بحثت أكثر ازدادت قناعتك أنك مصاب بأحد الأمراض الخطرة أو النادرة التي اطلعت عليها خلال بحثك؟
• هل تُركّز عند بحثك على النتائج الأسوأ وتعتبرها أكثر ارتباطاً نحو ما تشعر به، تعتبر أن عدوى ما أصابتك بإحدى الأوبئة أو الجائحات المتفشية في العالم مثل إيبولا أو إنفلونزا الخنازير تلك التي تشغل عناوين صفحات الإنترنت؟
• هل يشغَل بحثك عن المواضيع الطبية معظم وقتك الذي تقضيه متصفحاً شبكة الإنترنت أو يطغى على نشاطاتك الاجتماعية وفعالياتك الأخرى، تفترض دوماً الأسوأ وتستخدم الشبكة العنكبوتية لإثبات شكوكك، تثق بشبكة الإنترنت أكثر من ثقتك بطبيبك المعالج؟
أضاف د. خلدون: يجب أن نتذكر دائماً أن الطبيب احتاج ما يُقارب 15 عاماً في دراسة الطب العام والاختصاص وسنوات من الخبرة حتى استطاع الوصول لقاعدة معلومات طبية كافية تمكّنه من تحليل أعراضِ وشكاياتِ المرضى، ومن ثَمّ ربطها مع بعضها البعض لوضع قائمةِ تشخيصٍ تفريقي بالأمراض المحتملة، وقد يلجأ إلى طلب تحليل مخبري أو تصوير شعاعي لإثبات التشخيص وبناء عليه يضع خطة العلاج، أو قد يطلب استشارة زميل له من اختصاص آخر ليُثبِتَ أو ينفي مرضاً ما، فلا تتوقع أنك بقراءة بعض المقالات غير موثوقة المصدر ستكون قادراً على تشخيص حالتك، بل إن من يعتقد أن الشبكة المعلوماتية يمكن أن تقومَ مقام الطبيب لا بدّ أن يدخل في متاهة يصعب الخروج منها، ولذلك على الأطباء ضرورة أن يقوموا بدورهم في تسكين مخاوف الأشخاص المصابين بوسواس المرض الإلكتروني وتبديد مخاوفهم، وأن يعملوا على توجيههم لتصفح مواقع إلكترونية موثوقة المصدر إذا ما أرادوا البحث عن شكاياتهم، وهذه بعض النصائح والخطوات العملية لكل مريض لتساعده على التغلب على هذه الحالة المرضية:
ــ عليك بالتحدث إلى طبيبك وأن تثق به لأنه الوحيد الذي يُعطيك معلومة موثوقة.
ــ لا تتردد في إخباره بنتائج بحثك على الشبكة والتي تثير مخاوفك.
ــ ابق بعيداً عن المنتديات الصحية الإلكترونية وتذكّر أن معظم من يعطيك الإجابات فيها هم أشخاص غير مؤهلين.
ــ حاول أن تأخذ استراحة عقب ساعة من تصفح المواقع واعرف أنك لن تستطيع تشخيص حالتك المرضية ذاتياً.
ــ لا تخجل من طلب مساعدة اختصاصيّ بالطب النفسي في حال فقدانك السيطرة على أفكارك.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"