الجينات قد تكون أقوى من مفعول المسكنات

12:50 مساء
قراءة 6 دقائق

وجدت دراسة جديدة أن الجينات تلعب دوراً مهما في خطر إدمان الشخص على الأدوية المسكّنة، أو الآثار الجانبية المزعجة لها . وذكر موقع هلث دي نيوز الأمريكي أن باحثين في جامعة ستانفورد قيّموا ردود أفعال أكثر من 120 توأماً وأشخاصاً آخرين، على أحد الأدوية المسكّنة الأفيونية، ووجدوا أن التوائم المتشابهة كانت ردود أفعالهم متشابهة أكثر على الدواء، مقارنة بالتوائم غير المتشابهة، ما يشير إلى أن للجينات دوراً مهماً في المسألة .

ولاحظ الباحثون بشكل خاص أن الجينات تلعب دوراً مهماً في تنوّع ردة فعل المريض المتعلقة بخطر الآثار الجانبية للأفيون .

رأوا أن للوراثة دوراً بنسبة 59% في ما يتعلق بتنوّع ردة الفعل المرتبطة بالغثيان، و38% بالطفح الجلدي، و36% بالدوار، و30% بضيق التنفس .

كما تلعب الجينات دوراً نسبته 36% في ما يتعلّق بكره الدواء، و26% في ما يتعلّق بحبّه، وهو مقياس لخطورة الإدمان .

يشار إلى ان الأطباء لاحظوا أن استجابة بعض الناس للعلاج ببعض الأدوية تختلف عن استجابة الآخرين للدواء ذاته وفي الحالة المرضية نفسها، واكتشف الأطباء أن السبب يكمن في اختلاف بعض الجينات .

والآن يعمل الأطباء على حل هذه المشكلة بإجراء بعض الفحوص الجينية التي يمكن منها معرفة الفروق في الجينات التي تؤدي إلى الاستجابة المختلفة، وبعدها سوف يقرر الطبيب أي الأدوية أنسب إلى المريض من الناحية الجينية .

واذا لم يوجد هذا الدواء بجرعات مناسبة للمريض فسوف يتم تصميم أو تفصيل دواء جديد متناغم مع جينات المريض، وهكذا ظهر علم جديد هو علم الأدوية الجينية . و يقول العلماء انه في كل مرة تتناول فيها دواء ما قد لا تحصل على التأثير الذي كنت تتوقعه، وفي كل عام يتناول مئات الآلاف منا أدوية وعقاقير، ولكنها لا تعمل بفاعلية بالنسبة إلى الكثير منا، والأسوأ أنها قد لا تعمل على الاطلاق أو تسبب أضراراً وآثاراً جانبية خطرة .

وبعد دراسات مطولة عرف العلماء الآن أن المشكلة تقع بصورة كبيرة في التركيب الجيني للانسان .

ويقول العلماء ان التنوع الجيني للبشر يضعهم في مشكلة صعبة، فنحن نستطيع أن نعرف الجرعة المأمونة من الاسبرين التي تعالج الصداع لدينا، ولكن الأمر يزداد صعوبة مع الأدوية الأكثر قوة التي تستعمل في علاج أمراض خطرة .

ويقول العلماء ان علم الأدوية الجينية الذي يختص بدراسة كيف يمكن للجينات أن تؤثر في استجابتنا للعقاقير، يقودنا إلى عصر جديد من الممارسة الطبية يمكن أن يطلق عليها الطب الشخصي . وهذا العلم يمكن أن يجعل الأمور أكثر فاعلية عن طريق صنع الدواء المناسب للمريض المناسب .

ويقول الدكتور ألين روزس نائب رئيس الأبحاث الجينية في شركة أدوية عملاقة ان هذا يعني أن كثيراً من الناس سيحصلون على أدوية تم تفصيلها بالمقاس لكي تناسب تركيباتهم الجينية وأمراضهم المحددة .

وفي ديسمبر 2003 وجد الدكتور ألين روزس نفسه متصدراً مانشتتات الصحف بعدما ذكر أمام مؤتمر علمي أن أكثر من 90% من الأدوية تؤثر في 30 50% فقط من الناس .

وهذا التعليق تم تداوله على أنه أمر سري وخطر، وهو في الواقع ليس سراً بل هو حقيقة بيولوجية لأن المرض يمكن أن يختلف من شخص لآخر .

ومن المعروف أن البشر يتفقون جينياً على وجه العموم، وهناك بعض الفروق في فصيلة واحدة من الشمبانزي أكثر من الموجودة في النوع البشري كله، ولكن مع ذلك فهناك كثير من الفروق الجينية المختلفة ذات الأهمية الطبية في البشر، وعلى وجه التقريب فإن واحداً في الألف في الثلاثة بليون حرف من الحمض النووي DNA التي تصنع الجينوم البشري تختلف في أي اثنين من البشر . وهذا يجعل نحو 3 ملايين حرف مختلفة بين أي اثنين على وجه الأرض، ما عدا التوائم المتشابهة . بعض هذه الفروق ليس لها تأثير فيالاطلاق، ولكن بعضها الآخر يؤثر في امكانية الإصابة بأمراض مزمنة مثل السرطان والسكر وأمراض القلب، وبعض الاختلافات يحدد امكانية الاستجابة للعقاقير والتأثيرات الجانبية الضارة لها .

ويقرر الطب أن تناول أي دواء قد يكون عملاً خطراً له تأثيرات ضارة، فالتأثيرات الضارة للأدوية هي خامس سبب للوفاة في بعض البلدان المتقدمة بما فيها أمريكا وبريطانيا، وتكلف نحو 2 بليون جنيه استرليني في السنة في بريطانيا وحدها لعلاج ما تتسبب فيه التأثيرات الجانبية للأدوية .

وعلى الرغم من أن التأثيرات الضارة للدواء يمكن أن تكون لأسباب مختلفة مثل نوع الطعام والحالة الصحية العامة، فإن الجينات هي العامل الحاسم في تحديد كيفية استجابة جسمك للدواء .

ويستطيع علم الأدوية الجينية أن يحدد الجينات التي تتحكم في عمل الدواء وما اذا كانت للخير أم للشر .

وتسمية هذا العلم بعلم الأدوية الجينية تم في عام ،1959 واحد من الأمثلة المبكرة للتأثير الدوائي الجيني جاء من دواء باسط للعضلات يسمى سكسينيل كولين تم تطويره في الخمسينات، لكي يستخدم مع عقاقير التخدير ليمنع حركة عضلات المريض أثناء العمليات الجراحية .

وعلى الرغم من أن تأثير هذا الدواء يتلاشى بسرعة معقولة في معظم الناس مما يؤدي إلى استعادة المريض لقدرته على الحركة والتنفس بحرية، فإنه قد لوحظ في نسبة قليلة من الناس يطلق عليهم اسم ذوي التمثيل الغذائي البطيء أن تأثيرات الدواء ظلت تعمل لفترة طويلة وبالتالي ظل المرضى في حالة شلل لفترة طويلة .

وأظهرت الدراسات التي أجريت على العائلات ذات التمثيل الغذائي البطيء نموذجاً جينياً واضحاً، وظل الأمر كذلك حتى التسعينات عندما تم تحديد الجينات المسؤولة عن هذا البطء في التمثيل الغذائي .

ووصل التقدم المذهل في علم الجينات البشرية في العقدين الماضيين إلى قمته بالتوصل إلى ترتيب الجينوم البشري في عام ،2000 وهذا التقدم مهد لاحتمالات جدية لتجربة جينات معينة وملاحظة استجابتها لعقاقير معينة، وهكذا تدخل علم الأدوية الجينية في علاج سرطان الدم عند الأطفال عن طريق مجموعة من الأدوية تسمى الثيوبيورين، فمنذ أربعين عاماً مضت كان سرطان الدم بمثابة حكم بالاعدام على من يصاب به، ولكن مجموعة الثيوبيورين أثبتت أنها علاج فعال حيث يستجيب معظم الأطفال جيدا للثيوبيرين ولكن عدداً قليلاً منهم يعانون تأثيرات جانبية خطرة مع الجرعات العادية للدواء، وقد يقودهم ذلك إلى حتفهم .

ويحتاج هؤلاء المرضى إلى نسبة ضئيلة من الدواء تبلغ واحد إلى عشر من الجرعة الاعتيادية، ولكن كيف يمكن معرفة من يحتاج إلى الجرعة المنخفضة ومن يحتاج إلى الجرعة العادية؟ منذ عام 1999 استعمل العلماء الاختبارات الجينية لتحديد آلاف من المرضى ذوي الاستعدادات الجينية للإصابة بآثار جانبية خطرة من تناول الدواء، وبالتالي أمكن تفصيل جرعة الدواء المناسبة لهم . ويبدو أن علم الأدوية الجينية قد ظهر في وقت مناسب في التاريخ الطبي لأنه خلال الخمسين عاماً الماضية شهد الطب ثورة دوائية هائلة وظهرت أدوية جديدة لأمراض كانت غير قابلة للعلاج في الماضي .

وعلم الأدوية الجينية يستطيع مساعدة الأطباء لكي يحصلوا على أحسن ما في هذه الثورة الدوائية عن طريق ترتيب الجرعة المناسبة لكل فرد حسب استعداده الجيني، وهكذا تقل التأثيرات الجانبية ومخاطرها، كما يمكن زيادة التأثيرات المفيدة للأدوية الجديدة .

وكما يقلل علم الأدوية الجينية من التأثيرات الجانبية للدواء، فإنه أيضاً يساعد على منع استعمال الأدوية غير المناسبة للمرضى .

ففي حالة سرطان الرئة يستعمل عقار يسمى اريساIressa تم تطويره في عام ،2003 ووجد الأطباء أن بعض المرضى لا يستجيبون للدواء حيث إن سرطانات الرئة لا تأتي كلها من مسبب واحد، اذ يظهر السرطان خلال تغييرات جينية في خلايا الرئة، ولكن دواء اريسا يكون فعالاً فقط ضد نوع محدد من التغيرات الجينية . هذا النوع لم يتم التعرف إليه حتى أكتوبر 2004 .

ولكن الأطباء يأملون الآن في امكانية تطوير اختبارات جينية يمكن من خلالها معرفة من سيستفيد من هذا العقار .

وعلى الرغم من الفوائد غير المشكوك فيها لعلم الأدوية الجينية، فإن هناك احتمال ظهور مشكلات لشركات إنتاج الأدوية في هذه الجنة الطبية الموعودة، اذ إن هناك احتمال انخفاض مبيعات بعض الأدوية عندما يتم التعرف إلى مجموعة محددة من المرضى ذات جينات معينة تستجيب لدواء معين، حيث إن مبيعات هذا الدواء لن تكون لكافة المرضى بل للمجموعة المستجيبة فقط، ولكن شركات الأدوية قد تستجيب لهذا التهديد بانخفاض المبيعات عن طريق رفع أسعار الأدوية الجديدة إلى مستويات خرافية، مما يمكن أن يخلق حالة مزعجة في المجتمع عندما لا يستطيع عديد من المرضى الحصول على الدواء غالي الثمن . وعلى العموم فما زال أمام الطب وقتاً كثيراً للوصول إلى الاستفادة الكاملة من معلوماته عن الجينات البشرية في صنع أدوية تفصيل مناسبة لكل مريض على حدة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"