تحديث الفولكلور .. ضرورة يفسدها التشويه

التدوين لا يخدمه أحياناً
00:16 صباحا
قراءة 4 دقائق
عمّان ماهر عريف:

أكد أكاديميون وباحثون متخصصون في التراث والتاريخ والثقافة الشعبية، أن تحديث الفولكلور من مرحلة لأخرى، بما يواكب مستجدات حياتية وعادات وتقاليد مُتغيّرة، يُعد ضرورة حتمية، مع تحذيرهم من تشويه المحصلة الحتمية.
ورأى متحدثون شاركوا في ندوة «الغناء الشعبي»، ضمن مهرجان «حُرّاس الذاكرة» السابع، المختتمة فعالياته مؤخراً في العاصمة الأردنية، عمّان، أن تدوين الفولكلور وجدوه يحدّ من تمدده أحياناً، ويتضمن مغالطات كثيرة تارة أخرى، في مقابل محاولات جادة وهادفة تعمل على إيصاله كما يجب.


نائلة عزّام الباحثة الفلسطينية في الفولكلور والمتخصصة بالأغاني الشعبية النسائية قالت ل«الخليج»: لا نستطيع منع تطوّر الفولكلور لأن ذلك مرتبط بعادات وتقاليد متغيّرة، وممارسات وأحداث ومستجدات حياتية دائمة، تنعكس في ظهور إضافات على كلمات بعض الأهازيج والأغاني الشعبية، لا تمس عادة أصل التراث، الذي يبقى مرجعاً أساسياً لا يمكن إسقاطه أو النيل منه نهائياً.

وأضافت: علينا التفريق بين ما يُطلق عليه غناء شعبي في الوقت الحالي، بعضه لا يمت لذلك بصلة، وبين الفولكلور القديم، الذي طاله التطوّر الطبيعي، ومثاله في فلسطين، ما يُقدّم خلال الزفاف، إذ استحدثت كلمات جديدة لا ضرر من تداولها، حوّلت مثلاً مخاطبة والد العروس عند تجهيزه لها من نقلها على متن حافلة وسيارة أجرة إلى مركبة فاخرة، وينسحب الأمر على مناسبات واحتفالات عدّة مع تعديلات محدودة مُواكبة.

ورأت عزّام أن تدوين الفولكور يحد من تمدده، ويقلل من فرص تطويره من جهة، لكنه يحفظه من الضياع ويوثّق أصوله من ناحية ثانية، وعقّبت: هذه إشكالية مستمرة لأن الغناء التراثي ليس له نهاية، وكل تغيير على الحياة، يُلازمه تحديث وإضافة على الفولكلور، وبالتالي لا يمكن التوقف عند مرحلة معينة واعتبارها جامعة للتراث والفولكلور، ولا يجوز في المقابل الاكتفاء بالتناقل الشفوي فقط، لأنه لا يُعد ضمانة كافية للمحافظة على إرث مهم، وربما يكون تجديد المواد المكتوبة من مدة لأخرى ضرورياً، مع نبذ كل من يقحمون أنفسهم في التوثيق، ويتسببون بتشويه النتيجة.
واستعرضت عزّام أغاني شعبية فلسطينية نسائية، طالها التطوّر، ابتداء من الأداء الصوتي في عالم الطفولة والأمومة، إلى احتفالات الزواج، لاسيما «المهاهاة»، التي تشبه المُناداة، و«المردودي» المستندة إلى «أهزوجة» لحنية يعيدها «الكورال» بصورة متكررة، وقالت: هذان النوعان يُبنى عليهما الفولكلور الشعبي الفلسطيني تقريباً، وهناك غناء أثناء إعداد الطعام، وآخر صبيحة الزفاف، وسواه للضيوف وللجيران وللأبناء والأقارب والخطبة والزفاف والحمل والإنجاب وغيرها، نحو تحقيق وظيفتين رئيسيتين «جمعية مجتمعية»، و«نفسية عاطفية» عبر الشكل والمضمون.
ورأت مريم بوزيد الباحثة الجزائرية في علم الإنسان والتاريخ والثقافة الشعبية، أن عجلة التقدم تنسحب على تحديث الفولكلور إلزاماً وليس اختياراً، مع مسؤولية ملقاة على الأكاديميين والباحثين في المحافظة على القوالب الكلاسيكية الرئيسية، وعلقت: نحذّر دائماً من تجاهل التراث وتحويله إلى متحف منسي، وفي المقابل تشويهه و«ترميمه»، بصورة مسيئة، لا يقل خطراً عن تركه تماماً.
وأضافت: الغناء الشعبي ليس للترفيه والترف، وإنما مرتبط بهوية ذات خصوصية.

وخلال بحث ميداني استمر نحو عقدين، رصدتُ متغيّرات على فولكلور «الطوارق»، وسكان الواحات الصحراوية، ومن يُطلق عليهم «العبيد»، وكان الفارق واضحاً بين أنواع الموسيقى بحسب كل فئة منها. «أمزاد» وهي آلة تعتمد على وتر وحيد تعزف عليها النساء من الطبقة النبيلة، وهناك «الوجاب» في أفراح بدو الجزائر، و«تهماد» عبارة عن إيقاعات متداخلة للشريحة الاجتماعية الفقيرة.

وفرّق علي عبد الله الأكاديمي العراقي في التاريخ، والعميد السابق لكلية العمارة والتصميم في جامعة عمّان الأهلية، بين تحديث تلقائي على الفولكلور وآخر مقصود، قائلاً: التطوّر الإيجابي مطلوب إذا جاء بصورة فطرية تزامناً مع مستجدات مختلفة أو بشكل علمي دقيق غايته وصل الماضي بالحاضر مع الاحتفاظ بالأساس، أما التغيير القصدي المقحم، فيجعلنا أمام خليط متشابك لا نعرف فيه الأصل من الاستنساخ، وهذا يؤثر سلباً في المحصلة، ويمس التراث الشعبي، ويجعله غريباً عن حقيقته، ولذلك فإن ما يصلنا ليس سليماً أحياناً.

وأكد حمد الهباد الأستاذ في المعهد العالي للفنون الموسيقية في الكويت والمؤرخ في شؤون التراث، أن الحفاظ على الفولكلور في لبنته الأساسية وتفاصيل مراحله بحسب متطلباتها يجعله مصدراً غنياً وأصيلاً في صورته الصحيحة، من دون مساس سلبي يطاله.

وقال: نجحت دول الخليج العربي في الإبقاء على موروث فولكلوري مهم وثري، لازم البيئة البحرية، وقُدّمت برامج وأنشطة ومهرجانات ذات صلة أخذت شكلاً متطوراً للتواصل مع الأجيال من دون الإخلال بتفاصيل تراثية في المضمون وآلية الأداء، وظل الفولكلور صالحاً للممارسة من الأجداد للآباء إلى الأبناء والأحفاد، وصار أمراً تلقائياً يتعايش مع مستجدات الحياة من دون انتقاص من أهميته ودوره في مجتمعنا.

وتابع: تُثبت البحوث المتخصصة أن التراث العربي أصله واحد، تجمعه كلمات لها المدلول نفسه وإيقاعات متشابهة، وإن اختلفت طريقتها وأشكالها بحسب اللهجات وأداء الألحان طبقاً للبيئة، ويعد «الموّال» الشعبي أفضل مثال على ذلك، ولا يزال طرحه في صيغته الأصلية يكتسب مكانة كبيرة، وليس مقبولاً تقديمه على غير نهجه المُعتاد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"