مواجهة بين الكونجرس و«عنصرية» ترامب

03:28 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. إكرام بدر الدين *

يتسم النظام الأمريكي في الحكم بالفصل بين السلطات؛ نظراً لكونه من النظم الرئاسية؛ حيث تعتمد العلاقة بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية على التوازن والضبط المتبادل؛ بمعنى أن لكل سلطة مجالها واختصاصها، الذي تمارسه دون تدخل من السلطات الأخرى، فالسلطة التشريعية والتي يمثلها الكونجرس الأمريكي تختص بسن القوانين والتشريعات، وبشؤون الميزانية، بينما السلطة التنفيذية التي يأتي على قمتها الرئيس الأمريكي تقوم بتنفيذ القانون، بينما تتولى السلطة القضائية الحكم بموجب القانون.
يختلف النظام الأمريكي في هذه الجزئية عن النظام البرلماني ونموذجه التقليدي النظام البريطاني؛ حيث تكون السلطة التنفيذية مسؤولة أمام البرلمان؛ باعتباره السلطة التشريعية، ويكون هناك درجة من التداخل والازدواجية في أعمال ومهام السلطات، ويتم اختيار الوزراء من بين أعضاء البرلمان، ورغم أن النظام الأمريكي يتسم بفصل السلطات إلا أن هذا الفصل قد لا يكون جامداً أو مطلقاً من الناحية الواقعية، بمعنى أنه يمكن للرئيس الأمريكي أن يصدر قرارات لها إلزامية التشريع في بعض الحالات، كما يمكن للكونجرس الأمريكي أن يشارك في التعيين في بعض المناصب المهمة، رغم أن ذلك هو اختصاص أصيل للرئيس الأمريكي أو السلطة التنفيذية؛ ولكن في جميع الأحوال يظل للرئيس الأمريكي دوره القوي والمؤثر داخل النظام؛ ولذلك يطلق على النظام الأمريكي بأنه نظام رئاسي؛ نسبة إلى مؤسسة الرئاسة، أو نظام رئيس نسبة إلى الرئيس كشخص، مما يعكس في جميع الأحوال قوة وتأثير الرئيس.
وشهدت الساحة السياسية في الولايات المتحدة مؤخراً درجة من التوتر والشد والجذب بين الرئيس الأمريكي ترامب والكونجرس؛ وذلك على خلفية تغريدات وجهها الرئيس الأمريكي إلى أربع نائبات في الكونجرس الأمريكي، تنطوي على إساءة لهن وللدول التي ينتمين إليها في أصولهن، كما طالبهن بالرحيل إلى بلادهن الأصلية؛ لإصلاح ما بها من فساد وتدهور في الأوضاع، ومن بين النائبات المقصودات بذلك هن رشيدة طليب وهي أول أمريكية من أصول فلسطينية يتم انتخابها في الكونجرس، والكسندريا أوكاسيو والتي ترجع في أصولها إلى بورتوريكو، وأعلنت عن عزمها دعم إقالة ترامب؛ نظراً لما قام به من انتهاكات لحقوق المهاجرين، إضافة إلى إيانا بريسلي، والتي تعد أول سيدة من أصول إفريقية تنتخب لعضوية الكونجرس منذ عام 2009 والتي وجهت انتقادات لاذعة ضد ترامب وسياساته في التعامل مع المهاجرين.
ويلاحظ أن تصريحات الرئيس ترامب ضد الأجانب وضد المهاجرين متعددة، وترجع إلى حملته الانتخابية الرئاسية، والتي أعلن فيها عن نيته في ضبط عملية الهجرة الأجنبية إلى الولايات المتحدة، كما أعلن أيضاً في مرحلة لاحقة عن إنشاء الجدار العازل بين الولايات المتحدة والمكسيك؛ لإيقاف تدفق المهاجرين من المكسيك، كما شن هجوماً لاذعاً على الدول الإفريقية، وأدلى بتصريحات غير ودية تجاه المسلمين، كما وصف المهاجرين من المكسيك بأنهم يحملون المخدرات والجريمة، والتي وصفت جميعها بأنها تصريحات عنصرية.
إلا أنه يظل للتغريدات الأخيرة أهميتها وخطورتها، مقارنة بالتصريحات السابقة، ويرجع ذلك إلى أسباب متعددة تتعلق بتوقيت هذه التصريحات، وبطبيعة المجتمع الأمريكي، وطبيعة من توجه إليهم هذه التصريحات أو الانتقادات، ويمكن توضيح أهم هذه الأسباب التي تعطي للتصريحات والتغريدات التي وصفت بالعنصرية من الرئيس في الجوانب التالية:-
*  أولاً: إنه للمرة الأولى توجه الانتقادات والتصريحات العنصرية ضد أعضاء في السلطة التشريعية، أي مؤسسة شديدة الأهمية في النظام الأمريكي؛ بعد أن كانت توجه من قبل إلى المهاجرين كأشخاص، وأحياناً إلى الدول التي هاجروا منها.
*  ثانياً: إن الانتقادات الموجهة من الرئيس الأمريكي لعضوات في الكونجرس والتي وصفها البعض بالطبيعة العنصرية تمثل تناقضاً حاداً مع أسس الديمقراطية الليبرالية والتي يأخذ بها المجتمع الأمريكي، والتي تعتمد على قيم الحرية والمساواة، والإخاء والتسامح وقبول الآخر، وعدم التعصب أو الأخذ بالنزعة العنصرية، وأن جميع المواطنين يتساوون في الحقوق والواجبات من دون تفرقة بسبب الدين أو المذهب أو الجنس أو الثقافة أو الأصول الإثنية.
* ثالثاً: إن تصريحات الرئيس وانتقاداته للمهاجرين وخصوصاً انتقاداته لأعضاء داخل الكونجرس الأمريكي على خلفية أصولهم، والدول التي هاجروا منها أمر يتناقض بشكل حاد مع طبيعة المجتمع الأمريكي والقيم الأمريكية التي نشأ بمقتضاها المجتمع الأمريكي منذ أكثر من مئتي عام، فالولايات المتحدة نشأت كمجتمع استيطاني أي يعتمد على الهجرة من جميع أنحاء العالم، ومن جميع الدول والقارات، وتم دمج الجميع في مجتمع واحد وقومية واحدة بموجب إستراتيجية تُعرف ببوتقة الصهر Melting Pot والتي بمقتضاها نشأ المجتمع الأمريكي والذي يتسم بالتعددية؛ ولكنه يعرف الوحدة بالمعنى الثقافي والقيمي، وبمعنى وجود قومية أمريكية واحدة، رغم تعدد واختلاف الأصول والدول الأصلية للمهاجرين، وهو ما يطلق عليه التكامل القومي National Integration؛ ولذلك فإن التساؤل المهم الذي يمكن إثارته في هذا الصدد؛ هو ما التأثير السياسي لتلك التصريحات والتغريدات الرئاسية من الناحية السياسية على المجتمع الأمريكي ومؤسساته السياسية؟
فمن الملاحظ أنه قد يترتب على ذلك حدوث جدل بين السلطة التنفيذية ممثلة في الرئيس الأمريكي والسلطة التشريعية ممثلة في الكونجرس الأمريكي وحدوث بعض التوترات بين السلطتين، وهو من الأمور غير المألوفة في النظام الأمريكي؛ حيث ظهرت انتقادات حادة من داخل الكونجرس للرئيس الأمريكي، ووجهت إليه الاتهامات بالعنصرية، وبأنه يريد شغل الرأي العام بمثل هذه التصريحات.
والجديد في هذا الأمر أن الانتقادات لم توجه من جانب أعضاء الحزب الديمقراطي المعارض للرئيس فقط؛ بل شارك فيها أيضاً أعضاء من الكونجرس ينتمون إلى الحزب الجمهوري أي حزب الرئيس، ويلاحظ أن هذه التداعيات تأتي على مقربة من الانتخابات الرئاسية، والتي يحاول فيها الرئيس ترامب الفوز بفترة رئاسية ثانية.
فهل تؤثر هذه التداعيات والجدل بين السلطتين على أصوات قطاعات واسعة من الأمريكيين من ذوي الأصول العربية أو الإسلامية أو الإفريقية أو ذوي أصول من أمريكا اللاتينية؟ وهل ينعكس ذلك على نتيجة الانتخابات الرئاسية القادمة؟، وهو ما ستسفر عنه تداعيات الفترة القادمة.

* أستاذ العلوم السياسية- جامعة القاهرة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"