عادي
دعا إلى قراءة الفن بعين جديدة

عبدالكريم برشيد: رسالة المسرحي العربي تكمن في وعيه بما يحدق بهويته

01:48 صباحا
قراءة 5 دقائق

عبدالكريم برشيد كاتب وباحث مسرحي مغربي متميز، ويعتبر واحدا من أركان ومؤسسي هذا المسرح من خلال جهوده في مجال الكتابة الدرامية وتبني منهجية وتقنيات مدرسة الاحتفالية في المسرح. يعمل حاليا مندوبا إقليميا لوزارة الثقافة على محافظة الخميسات في المغرب، كتب ما يزيد على 30 نصا مسرحيا بعضها ذات نفس تراثي واضح، حيث اشتغاله بجرأة على الموروث الشعبي ومنها: عنترة في المرايا المكسرة وغريب وعجيب. ومسرحية الزاوية عن الطرق الصوفية ومسرحية ابن الرومي في مدن الصفيح. وفازت مسرحيته سالف لونجا المأخوذة عن أسطورة أندلسية بجائزة افضل نص مسرحي في مهرجان قرطاج، أما مسرحيته الناس والحجارة فقد حققت الميدالية الذهبية في مهرجان الشباب العربي في بغداد العام ،1977 كما حصدت مسرحيته المشهورة الدجال والقيامة جائزة التأليف الأولى في مهرجان بغداد المسرحي للعام 1985.

برشيد المولع في كتاباته النقدية في مجال الهوية العربية الإسلامية انطلاقا من الموروث الشعبي، وانطلاقا من الذات وامتداداتها نحو الماضي والمستقبل يرى انه لابد في هذا السياق من محاولة قراءة الفن المسرحي بعين جديدة بعيدا عن المدرسة الغربية والتي جعلت المسرح مقولبا في قواعد كلاسيكية بالية، تبعده عن نظام (الفرجة) العربية بمفرداتها وطقسها الاحتفالي وتكويناتها الجمالية.

وعلى هامش مشاركته في الدورة الأولى من ملتقى الموروث الشعبي لمديرية ثقافة العقبة التابعة لوزارة الثقافة الأردنية التقيناه في عمان وبدأنا حوارنا معه بسؤال عن رؤيته المستقبلية للمسرح العربي فقال: لقد أنجزت مؤخرا بحثا يقدم تصورا للمسرح العربي في أبعاده الممكنة، وفي آفاقه المستقبلية، وذلك في ضوء المتغيرات السياسية، وثورة المعلوماتية والتجارة الحرة، وكل ذلك في نظري يمثل شيئا من الحركة والاحتفال.. والمفهوم الأخير كما نعرف هو اساس المسرح ومنه انطلقت معظم التجارب العالمية، فالاحتفال هو عيد الإنسان ويتحقق فيه اللقاء بشكل حي ويتم فيه (تشخيص) الواقع، حيث تحضر في هذا الاحتفال ملحقات ومهمات مسرحية كثيرة منها: الأزياء والإضاءة والديكورات والموسيقا وغيرها من مهمات العمل المسرحي.

لماذا تركزون على الاحتفالية كمنهج مسرحي؟

- الحفل اصدق أنباء من الكتب، كما انه يترجم ثقافات الشعوب،ومنه برز ما يعرف بالمسرح الاحتفالي، وفيه التركيز على النحن من خلال دراسة التاريخ والموروث الشعبي والأمثولة (الأمثال) والحكاية الشعبية والأهازيج والأزياء التقليدية والحلي والمؤثرات الصوتية والمفردات الأخرى، فالمسرح الاحتفالي بمجمله قراءة لطبيعة الإنسان أولا في شموليته وعموميته، وهو قراءة لطبيعة الإنسان العربي القائمة على اساس التفاعل والمشاركة في (الاحتفالية الثقافية) حيث يظهر من خلالها في المسرح: الأسواق الشعبية والمقاهي والساحات المفتوحة في وجه المداحين والمهرجين والحكواتيين وفناني القول والقرداتية وكل فناني الفرجة.. ولعل هذا الشكل الاحتفالي هو من أكثر الأشكال المسرحية قربا من الجمهور ومن أشكال مسرحية عربية قديمة أخرى.

هل تمكن المسرح العربي من استلهام الموروث؟

- هناك تجارب مسرحية عربية متعددة انطلقت في أواسط الستينات، وحاولت ان تنطلق من الفرجة الشعبية في طبيعتها الخام. في المسرح المغربي مثلا عرفنا التظاهرات الشعبية القديمة من مثل (مسرح الحلقة) (مسرح البساط). وفي تونس هناك: مسرح الفداوي (القوال، القصاص، الحكواتي). وفي مصر هناك: السامر والراوي الشعبي. وفي بلاد الشام عرفوا الحكواتي. كذلك في الخليج العربي قام الفنان عبدالعزيز السريع برفقة صديقه صقر الرشود (الكويت) بإيجاد مسرح شعبي انطلاقاً من الموروث الشعبي. وفي قطر نجد تجربة عبدالرحمن المناعي المعروفة والقائمة أساسا على الموروث وفنون البحر، كما ينطبق ذلك على المسرح في الإمارات ونجاحه في إيجاد صيغة لمسرح شعبي من خلال أعمال جمال مطر،وخالد البناي، وعبيد بن صندل، وناجي الحاي وغيرهم.

ورغم ان هذه التجارب ما تزال محدودة ويمكن تطويرها، يبقى المستقبل أمام هذا المسرح لبناء مفهوم مسرحي عربي غير تابع للمسرح الأوروبي.

كيف ترى المسرح المغربي ضمن وحدة ثقافة شعبية عربية واحدة؟

- المسرح المغربي له ولادتان. الأولى: شعبية وتتمثل في فن الفرجة التي أوجدها الإنسان عبر التاريخ. والثانية: وتتمثل في التلاقح الحضاري الذي تم بعد الاتصال بالاستعمارين الفرنسي والإسباني، وبذلك عرف المغرب مسرحا له خشبة ونص وتقنيات وطقوس خاصة... لكنه الآن يحاول جاهدا التقريب بين المسرحيين، في إطار محاولة إيجاد فن من التقنيات العالمية من دون ان يتنكر لصنعته وطبيعة المتفرج وطبيعة التلاقي عند الإنسان المغربي والتي لا تختلف كثيرا عنها في الأقطار العربية.

كيف يمكن استثمار الموروث لمواجهة الغزو الفكري الخارجي؟

- المسرح كما نعرف هو فن اللقاء، وثقافة العصر وهي ثقافة التواصل عن بعد، وثقافة التواصل الأحادي أي ان تشاهد وأن تتلقى الرسائل المصورة عبر شاشات التلفاز، وان تكون غائبا أيضا. أما المسرح فهو الحضور والتفاعل الحي وهو التلاقي الشعبي وليس الفرجة في حد ذاتها. لقد حققت التكنولوجيا الكثير لأنواع متعددة من الأنشطة الإنسانية مثل نقل مباراة كرة قدم عبر الأقمار الاصطناعية، ولكن الحضور وممارسة الجنون داخل الملعب هذا شيء لا يمكن ان توفره أية تكنولوجيا، لكن المسرح بمفرداته وخصوصيته يستطيع ان يشبع حاجة الإنسان من خلال معالجة وتصوير (التلاقي الاجتماعي) للمحافظة على إنسانية المشهد المسرحي الذي يمكن لنا ان نبعث فيه الحياة والتنوع والتجديد باستثمار الموروث ومخزون الذاكرة الجمعية من أحداث وتراث وتقاليد وعادات لكي نحدد هوية ما نقدمه ولكي تكون لهذه الهوية ثقافة خاصة وخصوصية أصيلة يندر ان تجدها في مسرح آخر، واعتقد ان رسالة المثقف والمسرحي العربي تكمن في وعيه بما يحدق بهذه الهوية من غزو خارجي ومحاولة تهميش دور المسرح واللغة في مخاطبة الجماهير.

لدينا نقاد يتحدثون ولا يكتبون كيف تقيم واقع الحركة النقدية العربية؟

- من الصعب التعميم، كما انه من الصعب الإجابة على هذا السؤال ضمن حدود ما يكتب اليوم في الصحف أو المجلات أو الملاحق الثقافية العربية، لكن يمكن القول إجماليا: انه لدينا نقاد يتحدثون ولكن لا يوجد لدينا نقاد يكتبون بمفهوم النقد الموضوعي العلمي التحليلي بمعنى انه يوجد لدينا نقاد بإمكانهم التحدث في المؤتمرات والندوات والمهرجانات المسرحية العربية ولكن ليس لديهم المفردات والأسلوب والمنهجية لكي يكتبوا نقدا تطبيقيا يسهم في بناء الحركة المسرحية ويسهم في توجيه المسرحيين وينير الطريق أمام المتفرج او المتابع المسرحي.. وللأسف فقد انحسر النقد العربي وانكمش بعد غياب وتوقف نقاد مسرح الستينات وتركت الساحة لبعض الكتاب والدخلاء.. ولهذا يغيب النقد الجاد لمصلحة النقد المزاجي والانطباعي ونقد المجاملات.

هل هناك مستقبل للمسرح الجاد أمام المسرح التجاري؟

- لا يمكن ان يكون لدينا أمل حقيقي إلا في المسرح الجاد، وعلى الرغم من نجاح المسرح التجاري ومسرح الاستهلاك ودغدغة العواطف من اصطياد فئة من الجمهور، ورغم غياب الثقافة المسرحية الجماهيرية المنشودة حتى عبر الإعلام المرئي، ورغم محاولة إفساد ذوق الجماهير العربية من خلال المسرحيات التجارية الرخيصة ومسرحيات السياحة والإثارة.. إلا أنه ببقايا الوعي الذي تشهده الساحة العربية، ووجود بعض المسرحيين المخلصين الجادين في الوطن العربي سيعود هذا المسرح إلى مجده الأول كركيزة ثقافية وإنسانية ورسالة وطنية وريادة في بناء الأجيال. لانه كما نعلم لا يصح في النهاية إلا الصحيح.لكن تبقى هناك بعض الأدوار يجب ان تلعب بعناية من جانب المهرجانات العربية وكتاب المسرح بالذات لاعادة الجمهور إلى الميدان المسرحي مرة أخرى!! ونأمل ان يعود الهدير المسرحي مرة أخرى وبقوة اكبر إلى مهرجانات بغداد ودمشق وقرطاج وجرش الأردني وغيرها من المهرجانات المسرحية التي تفتح المجال رحبا أمام المسرح الجاد والملتزم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"