عادي
أفق

مفارقة الحداثيين العرب

01:50 صباحا
قراءة دقيقتين

تنتمي العديد من كتابات المثقفين العرب الى تلك الحداثة الكلاسيكية حيث نجد أفكاراً بشرت ولعقود طويلة بضرورة انفتاح العقل على مدارات وفضاءات لا نهائية من المغامرة المسماة بحرية النقد ونبذ تملك الحقيقة المطلقة وغيرها من آليات ذكرية رآها المثقف العربي لازمة ضرورية وأكيدة لتقدم الثقافة العربية وإنضاج أي حراك اجتماعي مأمول في الوطن العربي.

ولا يملك المتابع لهذه الآراء إلا الاتفاق مع معظم طروحاتها ولكن هناك سمات أصبحت لصيقة بإنتاج المثقف الحداثي العربي منها تلك اللغة الوثوقية التي يتحدث بها البعض فمن خلال نقدها لتملك بعض التيارات للحقيقة المطلقة تفصح دون أن تدري عن معان مضمرة تحول المثقف نفسه الى مالك للحقيقة المطلقة يسخر من رؤى الآخرين للعقل أو ينفي قدرتهم على الحوار أو الإبداع.

وهناك سمة أخرى أصبحت ظاهرة لدى مثقفين عدة تتمثل في التبشير بقيم الحداثة من ناحية ورصد تجلياتها الواقعية في الغرب من ناحية أخرى، فالحداثة التي سترسخ لقيم العدل والحرية وكافة الأحلام العربية المؤجلة ترجمت في كوارث وحروب ومد استعماري وفلسفات عنصرية وإقصائية في بيئتها الأصلية. ومن هنا تنبع مفارقة الحداثيين العرب حيث يمكن رصد هذه التناقضات في الكتاب الواحد أو المقال الصحافي القصير.

إن إشكالية الحداثي العربي تكمن في محاولته إحياء فلسفة نظرية لم يستطع العرب ولظروف عدة اللحاق بركابها فأصبحت فرصة مفوتة خاصة أن وقائع الحالة المابعد حداثية التي يؤهل لها العالم حالياً تتشابه مع وقائع ما يمكن تسميته بالماقبل حداثة التي يعيشها العرب بما يجعل من الحداثة ذلك الحلم الذي يتقاتل حوله الجميع، تلك الأطروحة التي ظلت دائماً في حلبة المثاقفة ولم تخرج منها، فلم تحملها شرائح وفئات اجتماعية واسعة وبما يترجمها عملياً على أرض الواقع فظلت ذلك الكائن الطهراني الذي سيحقق لنا أحلامنا وطموحاتنا لذلك يقع المثقف العربي في تناقض فريد عند رصد وقائع الحداثة الفتاكة في الغرب والنور الذي سيغمرنا إذا آمنا بأفكارها وبالطبع وضعناها على محك التطبيق. ويتزايد التناقض أكثر عندما يدعو إلى الحرية وإعمال النقد وينتج في ذات الوقت نصوصاً إقصائية تحول الحرية الى تابو لا يمكن الاقتراب منه.

محمد إسماعيل زاهر

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"