عادي
أكبر مشكلات القانون العقاري في المنطقة (1-2)

عقد البيع المؤقت وحل مشكلة سيادة الدولة مع ملكية الأجنبي

01:59 صباحا
قراءة 12 دقيقة
د . حبيب الملا

أحدثت الطفرة العقارية التي شهدتها المنطقه خلال العقد المنصرم تحولات جذرية على مستوى الاقتصاد . إذ أصبح القطاع العقاري هو المحرك، بل ويكاد يكون المهيمن على الاقتصاد ككل، وأضحى هذا القطاع الرافعة للنمو الاقتصادي وفاق في معدلات عوائده قطاعات ظلت لسنين طويلة صاحبة اليد الطولى في هذا النمو كالتجارة والسياحة بل وحتى النفط . وعلى الرغم من ابتداء هذه الطفرة في إمارة دبي إلا أن ما أحدثته من تحولات اقتصادية كبيرة كان لها صداها في المنطقة كلها الأمر الذي حدا بدول عديدة إلى محاكاة النموذج الذي بدأته إمارة دبي، وإن كان بنسب متفاوتة، فامتد هذا النموذج ليشمل منطقة تمتد من الهند شرقا إلى المغرب غربا .

ولئن كان للطفرة العقارية آثارها الاقتصادية المتعددة فإن هذه الطفرة قد أوجدت في نفس الوقت إشكالات قانونية بعضها قديم وبعضها مستحدث، خاصة في مسائل التنظيم العقاري وملكية وإدارة الوحدات المشتركة والمسائل المتعلقة بحالات وآليات أيلولة العقار في حالة الوفاة، خاصة إذا كانت ملكية العقار مشتركة في حالة الزوجين مثلاً وبخاصة اذا كان الزوجان ينتميان لجنسيتين مختلفتين، وجميعها مسائل قانونية لم يتعرض لها التشريع في منطقة الخليج مسبقاً .

إلا أن أكبر مشكلة قانونية واجهت النمو العقاري وحدت من نموه كانت مسألة ملكية الأجنبي للعقار . إذ إنه حتى سنوات قلائل كانت ملكية المواطن للعقار أمراً مقدساً وتجاوزه يعد من المحرمات التي لا يجوز الخوض فيها . وعلة ذلك واضحة، إذ إن الأرض جزء أساسي من إقليم الدولة تمارس عليه سيادتها الأمر الذي يكون صعبا معه التنازل عنه للأجنبي الذي لا يفترض فيه ولا يطلب منه الولاء . كما أن العقار من أكثر الأموال قيمة ويقوم على التعامل بها جانب كبير من الاقتصاد الوطني، هذا كله إضافة إلى الأسباب الأمنية المترتبة على ملكية الأجانب للأرض . ولقد سلك المشرع في دولة الامارات سلوكاً صارماً في هذا الاتجاه فنصت المادة (298) من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1992 فيما يتعلق بالعقارات المحجوزة والمعدة للبيع على أنه لا يجوز بيع العقار الا لمواطن وذلك مع مراعاة القواعد الخاصة بانتقال الملكية العقارية . ونظراً إلى أن الملكية هي الحافز الأساسي في الاستثمار العقاري ومن دونها لا يمكن تصور وجود تدفقات استثمارية وخاصة الأجنبية في هذا القطاع، فقد كان الحل الأسهل مكنة والأمثل والأقرب تناولاً هو فكرة عقد الإيجار طويل الأمد أو ما يسمى في اللغه الانجليزية long lease . ويتم وفقاً لهذه الفكرة طرح العقار سواء أكان أرضاً فضاء أم وحدة سكنية للإيجار لمدد طويلة غالباً ماتكون 99 سنة، ويقوم البائع بقبض الثمن كاملاً إما دفعة واحدة أو على دفعات متتالية قريبة الأجل . ولقد تم استعارة هذا الأنموذج من النظام المتبع في المملكة المتحدة والتي يعد فيها هذا النمط من العقود شائعاً وكثير الاستخدام . إلا أن ما غاب عن الذين استنبطوا هذه الفكرة هو أن هذه الصيغة من العقود، إيجاراً كانت تسميته أو بيعاً، يحكمه نظام قانوني متكامل يحدد بمقتضى التشريع لا العقد فحسب موجبات وحقوق كل طرف من أطرافه، كما ويحدد الآثار المترتبة على استخدام مثل هذه الصيغة . وهذا النظام القانوني هو الذي يجعل هذه الصيغة في المملكة المتحدة أقرب إلى عقد البيع منه إلى الإيجار . أما استعارة هذه الصيغة خارج الإطار القانوني الخاص بها إنما يفقدها تلك الميزة الخاصة ويحيلها إلى عقد إيجار تقليدي أياً كانت المدة الخاصة بهذا العقد حتى ولو تجاوزت المائة عام .

ولعل هذه الإشكالية هي التي حدت بالحكومات في المنطقة إلى البحث عن صيغ أخرى غير صيغة الإيجار طويل الأجل بعد أن أصبح جلياً أن هذه الصيغة لم تكن كافية لطمأنة المشترين الأجانب إلى سلامة وصحة الأسس القانونية لعقود الشراء التي يعقدونها . ولم تؤد هذه الصيغة من البيع إلى إقبال المستثمرين الأجانب على الاستثمار في القطاع العقاري بالشكل المأمول منه . إذ إن الرغبة في التملك لا تتحقق إلا عن طريق عقد البيع . وهذا أمر طبيعي إذ إن الفارق بين عقدي الإيجار والبيع لا يقتصر على المدة الزمنية التي تحكم كلا منهما فحسب . فإطالة أمد عقد الإيجار لا يحيله إلى عقد بيع مهما طالت مدته . وإنما الفارق يكمن في المركز القانوني الذي يتمتع به المشتري في عقد البيع وما يسبغه هذا المركز من حقوق وامتيازات لا تتوافر للمستأجر في عقود الإيجار . كما يكمن الاختلاف في الآثار التي يرتبها عقد البيع وفي الحقوق المتفرعة عنه والتي يمارس بموجبها المشتري حقوقه في العقار خاصة حق التصرف في العقار كالبيع والرهن وغير ذلك من الحقوق .

وفي محاولة لحل هذه المعضلة ولجذب الاستثمارات المأمولة للقطاع العقاري قامت الحكومات باعتماد آلية أخرى هي آلية بيع العقار للأجانب بعد أن أصبحت هذه الفكرة مقبولة ولو على مضض لدى فئات المجتمع . ورويداً رويداً تم فتح الباب أمام تملك الأجانب للعقار من خلال ما سمي نظام التملك الحر تمييزاً له عن نظام الإيجار طويل الأجل الذي كان يتم تسويقه باعتباره رديفاً لعقد البيع . وكان من الطبيعي أن تتدفق الاستثمارات الأجنبية بكثافة في القطاع العقاري بعد هذا التحول المهم الأمر الذي أدى إلى طفرة عقارية لانزال نعاصر أحداثها . إلا أن هذا الأمر مع ما أحدثه من نمو في القطاع العقاري فإن له آثاراً سلبية من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية . فأما من الناحية الاقتصادية فإن العقار يشكل إحدى الأصول الرئيسية للدولة والتصرف فيه بالبيع إنما هو تصرف في الأصول التي تشكل الثروة القومية الأمر الذي يجرد الدولة من تلك الثروة خاصة اذا ارتأت الدولة استخدام الأصول العقارية الخاصة بها كضمان للاقتراض الذي تكون بأمس الحاجة إليه لتمويل ميزانيتها ومشاريعها الاستثمارية . وتجريد الدولة من أصولها يحرمها من إمكانية الاقتراض، على الأقل بالشروط الميسرة التي ترغب فيها، ويضع عائقاً أمام تكون الدين العام للدولة . وأما من الناحية الاجتماعية فإن تملك الأجنبي للعقار لاتزال له محظوراته وحساسياته حتى في الدول المتقدمة والتي تتمتع ببنيان ديموغرافي متماسك . فسويسرا مثلاً لا يزال تملك الأجانب للعقار فيها محكوماً بكوتا معينة لا يسمح للأجانب بتجاوزها كما أن تصرف الأجنبي في العقار المملوك له تحكمه قواعد قانونية صارمة . وأما في دول الخليج التي تعاني أصلاً من مشكلة ديموغرافية خطيرة ومن خلل كبير في التركيبة السكانية لها والمتمثل في غلبة العنصر الأجنبي فيها على العنصر المواطن فإن الأمر يكون أشد صعوبة وأكثر تحسساً من الناحية الاجتماعية .

فهل لا يوجد أي حل يوفق بين رغبة الدولة في المحافظة على حقها السيادي في الاحتفاظ بالأراضي والعقارات ضمن دائرة المواطنين ورغبة مطوري المشاريع العقارية في بيع وحداتهم للأجانب على سبيل التمليك؟

إن الأمر يحتاج إلى البحث عن حلول غير تقليدية للخروج من هذه الإشكالية ومحاولة إيجاد نموذج قانوني يحافظ على تدفق الاستثمار الأجنبي في القطاع العقاري عن طريق تلبية حاجاته المتمثلة بالمحافظة على حقوق الملكية الخاصة بالمشترين دون التفريط في الوقت ذاته في الأصول العقارية للدولة وبالتالي تجنب الحساسية الاجتماعية التي تسببها مسألة بيع العقار للأجنبي .

ما يميز عقد البيع عن عقد الإيجار؟

حري بنا أن نتعرض لما يميز هذين العقدين عن بعضهما، إذ بهذا التميز يتضح الفارق بينهما الأمر الذي يمكننا من خلاله الوصول إلى صيغة تجمع بين خصائص هذين العقدين كما سنعرض لاحقاً .

أ- يتميز عقد البيع عن عقد الإيجار بأنه عقد ناقل للملك، أي أن الغرض منه نقل ملكية المبيع من البائع إلى المشتري فالمعقود عليه في البيع هو العين ذاتها . أما الإيجار فلا ينقل حقاً قائماً في ذمة المؤجر إلى المستأجر، بل يقتصر أن ينشئ في ذمة الأول التزاماً محله تمكين المستأجر من الانتفاع بعين معينة . فالمعقود عليه في عقد الإيجار هو منفعة العين لا العين ذاتها، أنظر المادة 745 من قانون المعاملات المدنية .

ب- عقد البيع يرتب التزامات عينية في المال محل البيع، أما عقد الإيجار فلا ينشئ إلا حقوقاً شخصية ولا يرتب للمستأجر حقاً عينياً في الشيء المؤجر . وباعتبار أن عقد الإيجار ينشئ حقوقاً شخصية فإنه لا يمكن أن يكون دائماً ولا بد من انقضائه في وقت ما تبعاً لما يرد عليه من أسباب الانقضاء .

ج- إن التزامات البائع والمشتري في عقد البيع التزامات فورية . فالبائع ينفذ التزامه بتسليم المبيع ويصبح المشتري مديناً بالثمن كله . أما التزامات المستأجر فهي التزامات مستمرة التنفيذ وتمتد طول مدة العقد .

د- يعد عقد البيع من عقود التصرف فتكون حقوق المشتري المالك الجديد مطلقة في العين فله أن يتصرف في العين المباعة بالبيع أو الرهن أو الهبة أو غيرها من أنواع التصرفات . أما عقد الإيجار فهو من عقود الإدارة وتكون حقوق المستأجر محددة بما نص عليه العقد أو فرضه القانون . ومن ذلك مثلاً ما تنص عليه المادة (787) من قانون المعاملات المدنية من أنه لا يجوز للمستأجر أن يؤجر الشيء المؤجر كله أو بعضه إلى شخص آخر إلا بإذن المؤجر أو إجازته . ومثل هذا القيد لا يتصور أن يرد في عقد البيع .

يتراءى مما ذكر كله أن عقد الإيجار محدود بطبيعته، ضيق في آثاره وليس من شأنه أن يمنح المستثمر الحقوق التي يتوخاها ويأمل فيها من استثماره على النحو الذي يتولد عن عقد البيع . فعقد البيع هو الذي يلبي طموحات المستثمر ويحقق الغاية من استثماره . وعليه يكون عقد البيع هو الصيغة المثلى التي تلبي طموحات المستثمرين وتضمن تدفق استثماراتهم في القطاعات التي يرغب الاقتصاد الوطني فيها . فهل يمكن أن ينشئ الفقه القانوني عقداً يلبي تطلعات المستثمرين ويراعي في الوقت ذاته الأهداف السيادية والحساسيات المتجمعية من مسألة بيع الأراضي لغير المواطنين؟

عقد البيع المؤقت

إن المتأمل يلاحظ أن العلة الأساسية في منع تملك الأجانب للعقار هو الرغبة في حجز الملكية العقارية للأجيال القادمة وخاصة عندما تكون مساحة الدولة محدودة . إذ إن الاستمرار في بيع العقار لغير مواطني الدولة يتولد عنه طبيعياً تقلص مساحة الأراضي المتروكة للأجيال القادمة خاصة إذا كانت مساحة أراضي الدولة محدودة أصلاً . فإذا ما أمكننا الحفاظ على هذه الأراضي لمن يأتي من الأجيال مستقبلاً انتفت العلة في منع بيع العقار لغير المواطنين . وعليه فإن مسألة المدة أو الزمن قد تكون هي الحل الأمثل الذي يمكن أن يتم من خلاله تلافي هذه العلة . بمعنى أن يكون عقد بيع العقار عقداً مؤقتاً بمدة زمنية معينة ينتهي بعدها العقد ويؤول العقار مرة أخرى إلى مالكه القديم البائع ويسمى العقد في هذه الحالة عقد البيع المؤقت .

فما يتميز به عقد البيع المؤقت هو تضمنه بنداً مؤداه انقضاء العقد بعد فترة معينة يتفق عليها العاقدان مهما طالت، فإذا حل ذلك الأجل الوارد في العقد عادت الملكية من تلقاء نفسها، لا بسبب جديد، إلى المالك الأصلي وترتب على ذلك أيلولة العقار إليه . وعقد البيع المؤقت يحقق بهذا الوصف ضمانة للمستثمرين بحصولهم على حقوق المالك في عقد البيع كما يحقق في الوقت ذاته غرض الدولة السيادي في المحافظة على العقار بين أيدي أبناء الوطن .

ومن الطبيعي أن يثير مثل هذا العقد الكثير من الاعتراضات باعتباره عقداً جديداً يخالف المفهوم السائد في فقه العقود . ولذلك سيكون من الجدير التعرض إلى ما قد يثيره هذا العقد من اعترضات لتنفيذه وإثبات صحة مثل هذا العقد وإمكان العمل به .

أ- قد يقول البعض إن هذا العقد ما هو في حقيقته إلا عقد إيجار سمي بمسمى البيع دون أن يتميز عن عقد الإيجار بشيء، وهذا القول في نظرنا غير صحيح . إذ إن العقد الذي ندعو إليه هو عقد بيع مكتمل الأركان يرتب في ذمة عاقديه جميع آثار عقد البيع من نقل للعين وحقوق في التصرف بالإضافة إلى جميع الالتزامات العينية الأخرى التي تتولد عن عقد البيع . وجل ما في الأمر أن عقد البيع هذا عقد يتميز بصفة التأقيت فينتهي بانتهاء أجله وتعود العين إلى مالكها السابق . فالمشتري في هذا العقد يتمتع بالمركز القانوني للمالك في عقد البيع ويمارس على العين المباعة حقوق المالك لا حقوق المستأجر .

ب- وقد يذهب البعض إلى أن فكرة التأقيت في عقد البيع تتنافر مع طبيعة هذا العقد باعتبار أن عقد البيع عقد منجز يتم فيه التمليك في الحال وعلى وجه الدوام والتأبيد، وإذا كانت الملكية حقاً دائماً فالنتيجة المنطقية لذلك هي أنه لا يجوز أن تقترن الملكية بأجل، فاسخ أو واقف . وأن اقتران البيع بوصف التأقيت أمر لم يقل به الفقه أو تنص عليه القوانين وهو بالتالي فكرة مستهجنة وشاذة .

ومع احترامنا لهذا الرأي وللقائلين به إلا أننا نرى أن إطلاق وصف التأبيد على عقد البيع لا يعكس ماهية هذا العقد بقدر ما يعكس ما ألفه التفكير الفقهي لعقد البيع، ولا يعني بالضرورة أن تأقيت عقد البيع يؤدي إلى بطلانه أو فساد الآثار التي يرتبها أو أنه يتناقض مع مفهوم العقد . إذ إن عقد البيع المؤقت بالوصف الذي سقناه هو عقد تتحقق فيه جميع أركان وخصائص عقد البيع التي اتفق عليها الفقهاء ويرتب كافة الآثار التي يرتبها عقد البيع التقليدي بخلاف انسحاب هذه الآثار عند حلول الأجل . وليس من شأن حلول الأجل أن ينفي انعقاد العقد أو أن يمنع ترتب أي أثر من الآثار التي تنتج عن عقد البيع . وإذا عرفنا أن عقد البيع بشكله الحالي قد مر بمراحل وتطورات حتى انتهى إلى الصيغة التي نعرفها اليوم عنه، وإذا سلمنا بأن هناك اختلافات في أحكام وأوصاف وآثار، بل وحتى في تعريف عقد البيع بين المدارس الفقهية المختلفة وبينها وبين الفقه الإسلامي والتي لا مجال لتفصيلها هنا، فإننا يجب أن نسلم بأن الأحكام الخاصة بعقد البيع يمكن أن تختلف بين مدرسة فقهية وأخرى دون أن يؤثر ذلك في صحة أحكام عقد البيع . بل إن القول بدوام حق الملكية ليس محل اتفاق لا في مصر ولا في فرنسا، إذ هناك من الفقهاء من قال بجواز اقتران الملكية بأجل . ولا نرى وجاهة للتمسك بفكرة دوام حق الملكية في ضوء المستجدات والمتغيرات الاقتصادية الطارئة التي تنادي بخلاف ذلك .

ج- ومن ناحية أخرى فإن مفهوم التأقيت لا يتناقض بالضرورة والمطلق مع عقد البيع ومع مفهوم نقل الملكية . إذ إن الفقه يعرف ما يسمى بيع الوفاء وبيع الوفاء هو بيع يحتفظ فيه البائع بحقه في أن يسترد المبيع خلال مدة معينة في مقابل رد الثمن . وقد كيفه الفقهاء بأنه بيع مع خيار العدول في مدة معينة واعتبار العدول شرطاً فاسخاً . فإذا استعمل البائع حقه في العدول، تحقق الشرط الفاسخ وترتب على تحققه زوال آثار العقد ووجوب رد المبيع إلى البائع والثمن إلى المشتري . ولا يزال النص عليه قائماً في بعض القوانين العربية كقانون الموجبات والعقود اللبناني (المواد من 473 إلى 486) . وينص عليه كذلك التقنين المدني الفرنسي (المواد من 1659 إلى 1673) وإن كان القانونان قد نصا على مدة معينة للرجوع عن البيع (ثلاث سنوات في القانون اللبناني وخمس سنوات في القانون الفرنسي) . ويلجأ المتعاقدان عادة إلى بيع الوفاء كطريقة من طرق التأمين لتلافي إجراءات وقيود الرهن المعتادة .

فإذا جاز أن يكون عقد البيع مؤقتاً في حالة بيع الوفاء فما المانع من التأقيت الذي ندعو إليه في عقد البيع المؤقت؟

د- إن القانون يعرف شكلاً من أشكال الملكية المؤقتة وهو حق القرار أو ما يعرف بالمساطحة . وقد عرف قانون المعاملات المدنية المساطحة في المادة (1353) بأنه . . . . حق عيني يعطي صاحبه الحق في إقامة بناء أو غراس على أرض الغير . وتنص المادة (1357) على أنه يملك صاحب حق المساطحة ما أحدثه في الأرض من مبان أو غراس وله أن يتصرف فيها مقترنة بحق المساطحة وأخيراً تنص المادة (1358) على حالات انتهاء حق المساطحة ومنها انتهاء مدة المساطحة . فالمساطحة إذاً نوع من الملكية بدليل استخدام المشرع لكلمة الملك ومع ذلك فهي مؤقتة بمدة (لا تتجاوز خمسين سنة في قانون المعاملات المدنية لدولة الإمارات) وتنتهي بانتهاء هذه المدة ويعود الملك إلى صاحبه الأصلي . وإذا جاز التأقيت في حق المساطحة وهو نوع من الملك فما المانع من إجازته في غيره من أنواع الملك؟

ه- وقد يقول البعض بعدم الحاجة إلى استحداث عقد البيع المؤقت إذ إن التشريع يعرف نوعاً من الحقوق يعطي للمشتري الحق والمركز القانوني الذي يبتغيه . وهذا الحق هو حق الانتفاع المنصوص عليه في المواد (1333) إلى (1343) من قانون المعاملات المدنية لدولة الإمارات .

وحق الانتفاع بهذا الوصف يغني عن اللجوء إلى عقد البيع المؤقت والإشكالات التي يمكن أن تتولد من جراء الأخذ به وتطبيقه .

ومع وجاهة هذا الرأي إلا أن حق الانتفاع يقع قاصراً عن إضفاء المركز القانوني الكامل الذي يسبغه عقد البيع على المشتري . فحق الانتفاع مثلاً يمكن أن ينهيه قضاء المحكمة لسوء الاستعمال (المادة 1344/4 من قانون المعاملات المدنية) . كما أن تنازل المنتفع عن حق الانتفاع ليس من شأنه أن يؤثر في التزاماته تجاه مالك العين (المادة 1347 من قانون المعاملات) . وفي حالة وفاة المنتفع بالمنقولات فعليه ضمان مثلها أو قيمتها في تركته (المادة 1343/2) . كما أن المنتفع في حق الانتفاع لا يملك ممارسة صلاحيات التصرف في الرقبة كشأن مالك العين . وعليه فإن هذا النوع من الحقوق وإن اقترب من حق الملك إلا أنه لا يساويه في القوة وليس من شأنه أن ينشئ المركز القانوني الذي يحدثه عقد البيع بالنسبة للمشتري .

و- الفقه الإسلامي يعرف مفهوم التأقيت في العقود، وأقرب مثال إلى فكرة عقد البيع المؤقت في الفقه الإسلامي هو عقد زواج المتعة عند المذهب الجعفري الإثنا عشري . فعقد زواج المتعة عقد مكتمل الأركان يرتب كافة آثار الزوجية إلا أنه يقترن بوصف التأقيت إذ ينتهي هذا العقد بحلول الأجل المحدد له باعتباره شرطاً يرد على صيغة العقد . وتضمن الأجل في العقد لم يمنع من القول بصحة انعقاده . والذين قالوا بتحريم زواج المتعة إنما قالوا ذلك من باب نسخ ذلك الزواج لاحقاً وليس من باب عدم انعقاد العقد ابتداء .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"