الطور

02:52 صباحا
قراءة 3 دقائق

من أسرار البلاغة وفنون العلم التي جاءت في القرآن الكريم، ويجدر بكل مسلم التفكر فيها، والتدبر في معانيها، القَسم في القرآن. والمتتبع لآيات القسم في القرآن الكريم يجد أن الله سبحانه أقسم في بعضها بذاته الموصوفة بصفاته وأقسم بآياته ومخلوقاته وبمظاهر الكون، ويوم القيامة، لتهيئة السامع، وإعداده إعداداً صالحاً لما يأتي بعد القَسم.
يأتي ذكر القسم تأكيداً، لا سيما والقرآن أنزل بلغة العرب، الذين عهدوا على إثبات مطالبهم بالحلف واليمين والقسم، إذ كانوا يقطعون كلامهم بالقسم، بهدف تحقيق الخبر وتوكيده.

قال تعالى: «والطور وكتاب مسطور فى رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع». (الطور، الآيات1-8).
ويقول ابن قيم الجوزية فى كتابه «التبيان فى أقسام القرآن»: تضمن هذا القسم خمسة أشياء، وهي: مظاهر آياته وقدرته وحكمته الدالة على ربوبيته ووحدانيته؛ فالطور هو الجبل الذى كلم الله عليه نبيه وكليمه موسى بن عمران، عند جمهور المفسرين من السلف والخلف، وعرفه هاهنا باللام، وعرفه فى سورة التين بالإضافة، فقال «وطور سينين». وهذا الجبل مظهر بركة الدنيا والآخرة، وهو الذى اختاره الله لتكليم موسى عليه، قال عبد الله بن أحمد في كتاب الزهد: حدثنا أبوعمران الجوني عن نوف البكالي قال: أوحى الله عز وجل إلى الجبال: إنى نازل على جبل منكم، قال: فشمخت الجبال كلها إلا جبل الطور، فإنه تواضع، وقال: أرضى بما قسم الله لي، فكان الأمر عليه، وجبل هذا شأنه خليق أن يقسم الله به، وإنه لسيد الجبال.
والقسم الثاني، أي الكتاب المسطور في الرق المنشور، اختلف فيه المفسرون، وأرجح الأقوال هو القرآن؛ لأنه سبحانه وصف القرآن بأنه في صحف مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة، فالصحف هي الرق، وكونه بأيدي سفرة هو كونه منشوراً، وعلى هذا فيكون أقسم بسيد الجبال، وسيد الكتب، ويكون ذلك متضمناً للنبوتين المعظمتين: نبوة موسى، ونبوة محمد، وكثيراً ما يقرن بينهما وبين محليهما كما فى سورتي التين والزيتون.
ثم أقسم بسيد البيوت، وهو البيت المعمور فالمشهور أنه الضراح الذي فى السماء ورفع للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم، وهو بحيال البيت المعمور في الأرض، وقيل: هو البيت الحرام، ولا ريب أن كلاً منهما معمور، فهذا معمور بالملائكة وعبادتهم، وهذا معمور بالطائفين والقائمين والركع السجود، وعلى كلا القولين فكل منهما سيد البيوت.
ثم أقسم سبحانه بمخلوقين عظيمين من بعض مخلوقاته، وهما مظهر آياته، وعجائب صنعته وهما: السقف المرفوع، وهو السماء فإنها من أعظم آياته،
والبحر المسجور، وهو آية عظيمة من آياته وعجائبه لا يحصيها إلا الله، واختلف في هذا البحر، هل هو الذي فوق السماوات، أو البحر الذى نشاهده على قولين؛ إذ قالت طائفة: هو البحر الذي عليه العرش وبين أعلاه وأسفله مسيرة خمسمئة عام، وهذا لا يناقض ما في جامع الترمذى «إن بين كل سماءين مسيرة خمسمئة عام». والقول الثاني إنه بحر الأرض. وأقوى الأقوال فى المسجور أنه الموقد، وهذا هو المعروف في اللغة، ويدل عليه قوله تعالى في سورة التكوير: «وإذا البحار سجرت».
وأقسم سبحانه وتعالى بهذه الأمور على المعاد والجزاء، فقال: «إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع». ولما كان الذي يقع قد يمكن دفعه؛ أخبر سبحانه بأنه لا دافع له، وهذا يتناول أمرين أحدهما: أنه لا دافع لوقوعه، والثاني: أنه لا دافع له إذا وقع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"