«الضم الصهيوني».. خطر الانفجار الكبير

02:39 صباحا
قراءة 4 دقائق
حلمي موسى

أعلن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أن «على الفلسطينيين الاعتراف بأننا الحاكم الأمني للمنطقة كلها. وإذا وافقوا على كل ذلك، فإنه سيكون لهم كيانهم الخاص بهم، والذي يصفه الرئيس ترامب بدولة».
خلافاً لكل التوقعات الفلسطينية التي رافقت مفاوضات التسوية على مدى ما يقارب من ثلاثة عقود، فإن الشروط الصهيونية للدولة الفلسطينية المنتظرة هي «لا قدس ولا عودة للاجئين» وسيادة صهيونية كاملة وما لا يقل عن 30 في المئة من أراضي الضفة الغربية، بعد حسم القدس منها؛ لذلك كان الرد الرسمي الفلسطيني حتى الآن، هو رفض هذه الاشتراطات اعتماداً على ما تبقى من شرعية دولية.
وأعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنّ منظمة التحرير الفلسطينيّة ودولة فلسطين قد أصبحتا في حلٍ من جميع الاتفاقات مع الحكومتين «الإسرائيلية» والأمريكية، بما فيها كل الاتفاقات الأمنية، وعلى سلطة الاحتلال «الإسرائيلي» بدءاً من الآن أن تتحمّل جميع المسؤوليات في أرض فلسطين المحتلة. وتلا ذلك الإعلان عن وقف كل أشكال التنسيق الإداري والأمني بين السلطة والاحتلال ما أدى إلى نشوء وضع تصعب فيه إدارة الحياة في الأراضي المحتلة .


استعدادات لم تكتمل


واضح أن الاحتلال استعد بأشكال مختلفة؛ لمواجهة ما تترتب عليه خطوة الضم التي أعلن أنها ستبدأ عملياً مطلع شهر يوليو/‏‏ تموز المقبل؛ لكن هذا الاستعداد حتى اللحظة يبدو جزئياً؛ حيث إنه على الأرض يستند إلى ما هو قائم من استمرار ما يعرف ب«الإدارة المدنية» التي تواصل التحكم في حياة الفلسطينيين، وأمنياً من خلال السيطرة العسكرية. وتتكرر في المحافل الصهيونية إشارات إلى أن حكومة نتنياهو لم تطلب بعد من الجيش إعداد خطواته؛ لمواجهة تبعات قرار ضم غور الأردن والكتل الاستيطانية. ولكن من يعرف أداء الجيش يعلم أنه ليس بحاجة إلى طلب رسمي، وأنه صاحب التقدير بالعواقب وضرورة الاستعداد لها.
وفي الجانب الفلسطيني، ومنذ تشكلت حكومة الدكتور محمد اشتية والهدف المعلن لها هو العمل على إدارة الوضع المعيشي الفلسطيني بمعزل عن الاحتلال، وضمن خطة للانفصال عنه؛ لكن معطيات العمل على الأرض دللت على أن الأمر ليس باليسير خصوصاً في ظل السيطرة الأمنية والاقتصادية «الإسرائيلية» القائمة. وهذا ما دفع بالكثير من الفلسطينيين للقول إن الفارق كبير بين قول وعمل السلطة الفلسطينية في كل ما يتعلق بالقدرة على الانفكاك عن الاقتصاد والهيمنة «الإسرائيلية».
وهذا ما يشير إلى أن السلطة ستواصل في الشهور المقبلة معركة عض الأصابع مع الاحتلال من دون أن تحشد كل عوامل القوة الداخلية، وفي ظل انشغال إقليمي وعالمي بوباء فيروس كورونا المستجد.


حسابات المواجهة


الموقف الرسمي والشعبي الفلسطيني من الضم، يتلخص حتى الآن في إعلان الرفض وإبداء الاستعداد لمواجهة تبعات هذا الضم بقصد إفشاله. ومن تاريخ النضال الوطني الفلسطيني يمكن القول إن الشعب الفلسطيني وقواه الفاعلة لن تدخر جهداً في مواجهة المشروع الصهيوني الجديد؛ لكن السؤال يتصل بأدوات المواجهة وطرق حشدها وطبيعة الظرف الإقليمي والدولي ومقدار دعمه الفعلي للحق الفلسطيني وللنضال من أجل تحقيقه.
وبدهي أن السياسة ليست سوى خطوات تعبر عن موازين قوى في لحظة زمنية معينة. وبهذا المعنى فإن الورقة الأقوى في يد الفلسطينيين الآن هي بقاؤهم على أرضهم، ما يصعب على الاحتلال ابتلاعهم. فالضم يبقي أمام الاحتلال خيارين لا ثالث لهما إما نظام تفرقة عنصرية يلجأ إلى طرد السكان بين الحين والآخر أو ضم الفلسطينيين واعتبارهم من مواطني ما يسمى بالدولة اليهودية. وهما خياران ينطويان على مشاكل جدية داخلياً وخارجياً، ويشكلان خطراً على الدولة اليهودية؛ لذلك فإن الكيانية الفلسطينية الخاضعة للاحتلال هي الخيار المطروح عنده، والذي شرط وجوده هو قبول الفلسطينيين بذلك ولو قسراً.


الخيارات الصعبة


أما السلطة الفلسطينية فإنها بعد إعلان التحلل من الاتفاقات مع الاحتلال تبقى أمام خيارات كل واحد منها أصعب من الآخر: حل السلطة بما يعنيه من إلغاء وجود مؤسساتها و«تسليم المفاتيح» للاحتلال، أو محاولة تحويل السلطة إلى دولة تحت الاحتلال وتحمل التبعات النضالية لذلك أو انهيار السلطة وشيوع الفوضى. وفي كل حال فإن كل هذه الخيارات ليست فقط مشكلة الفلسطينيين، وإنما هي أيضاً مشكلة للاحتلال الذي ستقرر خطواته نوع الصدامات التي ستجري. وطبيعي أن أحداً لا يستطيع من الآن تخيل نتائج الصراع الذي سيدور في الأراضي الفلسطينية داخلياً وضد الاحتلال والذي سيقرر مستقبل السلطة والقضية برمتها.
ولا بد من الإشارة إلى أن جانباً من مستقبل القضية يعتمد أساساً على منظمة التحرير التي شهدت عقود أوسلو تضارب الموقف منها بين احتواء وتعظيم. فالمسألة الفلسطينية كانت ولا تزال تتعلق ليس بالأرض وإنما أيضاً بالبشر الذين تشتت نصفهم في المنافي ومخيمات اللجوء. والكثير سيعتمد مستقبلاً على ما يمكن للفلسطينيين الاتفاق عليه بشأن التعامل مع منظمة التحرير وإعادة بناء مؤسساتها في محاولة لتوحيد الرؤية للتعامل مع الواقع.
في كل حال يبدو الوضع الفلسطيني في موقف بالغ الحرج وفي ظل خيارات صعبة على الرغم من كثرة الحديث عن إلغاء اتفاقات أوسلو. ومن الجائز أن الخشية من ردود فعل فلسطينية حادة هو ما يدفع المؤسسة الأمنية الصهيونية لمطالبة حكومتها والإدارة الأمريكية للتأني في خطوات الضم. كما أن ردود الفعل الدولية المعارضة لضم الأراضي الفلسطينية، تقيد بعض الشيء هذه الخطوات وتدفع نحو أفعال التفافية. فمراهنة الاحتلال على وجود قوى فلسطينية ذات مصلحة في عدم الصدام لا تضمن الهدوء ولا تضمن تقبل الأسرة الدولية لقرار الضم. ومن الجائز أن تسعى قوى دولية قبل يوليو/‏‏تموز المقبل إلى محاولة إيجاد صيغ تمنع الانفجار الكبير وتبقي الصراع ضمن دوائره الحالية. ويحاول الاتحاد الأوروبي وروسيا لعب دور في هذا السياق؛ لاعتبارات كثيرة بينها أنها هي أكثر من الولايات المتحدة من سيتحمل عواقب الانفجار إذا ما وقع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"