لبنان الجريح.. ماذا فعلوا بك؟

05:42 صباحا
قراءة 3 دقائق
رائد برقاوي

ألا يكفي لبنان ما أصابه من مآسٍ، ألا يكفيه ما دها اقتصاده من أوجاع، ألا يكفي هذا الشعب ما ذاق من آلام، ألا يُرحم هذا البلد العربي من تدهور ما بعده تدهور؟
شعب فقد خلال أشهر مدخراته التي لم تعد سوى أرقام متخمة بالأصفار.. أصفار لا تساوي شيئاً حتى الورق المكتوبة عليه، لأنها قابعة في بنوك خزائنها خاوية ومكاتبها تعج بالموظفين الخائفين على لقمة عيشهم، ولا جواب لديهم عن أي سؤال.
شعب لبنان المحبط، بعد المصائب التي لاحقته من هنا وهناك، الذي كان ينتظر فرجاً اعتقد أنه سيأتيه من البحر، حيث العالم يتألم معه، ففتح أبوابه ونوافذه لهذا القادم من بعيد، ليأتيه محملاً بالزجاج المتطاير إثر انفجار المرفأ المروّع الذي لم يميز بين كبير وصغير أو غني وفقير، فحوّل عاصمته الجميلة إلى مدينة منكوبة.
كيف ينهض لبنان الآن واقتصاده مثقل بالديون، وشعبه غارق في الأحزان والآلام والمصائب، وحكوماته باتت عنواناً ومدرسة، بل جامعة تدرّس الفساد. أضاعت هيبة الحكومات وخربت كل فنون الإدارة.. سرقت ونهبت وأساءت، وما زالت متمسكة بنظامها البالي الذي شرّع لها «المحاصصة» تحت عباءة الدين ومذاهبه ومكّنها من السيطرة على البلاد والعباد؟
حكومات متتالية عنوانها الفشل بكل تفاصيل الكلمة وبكل تفرعاتها، لا همّ لها سوى البقاء حتى في الظلام، حيث لا كهرباء ولا ماء، لا أمن ولا أمان، لا صحة ولا تعليم، لا خدمات ولا رعاية. كيف يمكنها أن تنقذ بلداً بات مديناً بعشرات المليارات على الورق ومئات المليارات على الأرض، ولا أحد يريد أن يتعامل معه؛ لا دول ولا مؤسسات ولا حتى جمعيات؟
حتى لو جاءت المليارات من الأصدقاء والأشقاء فأين ستذهب، هل سيكون مصيرها كسابقاتها؟ من المؤكد أن إجابة اللبنانيين كلهم بمن فيهم السياسيون ستكون: نعم كسابقاتها، ولكن أقل بقليل؛ فبدل سرقة 90 في المئة ستكون النسبة عند 80 في المئة لأن من شبَّ على شيء شاب عليه ومن ولد بجينات ملوّثة سيورّث جيناته لأبنائه.
لا حل في لبنان لينهض مجدداً «من تحت الرماد» إلا باستبعاد كل سياسييه، وبتغيير إدارته الفاشلة الفاسدة، فهي المعضلة وإبعادها هو الحل الأوحد لأن غير ذلك يعني الاستمرار في المعاناة، وفي المآسي والمآتم، في موجة جديدة من الهجرة. وغير ذلك يعني المتاجرة بهذا الشعب المكافح، المعطاء، المبتكر، الحضاري الذي جال العالم رافعاً رأسه بفكره وعلمه وجهده ودماثة أخلاقه.
قد تكون كارثة انفجار المرفأ بالنسبة للبنانيين، كما يقول المثل «ربّ ضارة نافعة»، للتخلص من إدارتهم الفاسدة ومن نظامهم العفن. قد تكون بداية التغيير الكبير نحو لبنان جديد أساسه اللبناني ابن ذلك الوطن الذي قدم على مدار العصور العلم والمعرفة والحياة بكل تفاصيلها الجميلة إلى الشرق.
لبنان كبير بشعبه العظيم، وهو أكبر بكثير من ساسته وميليشياته وعصاباته.. وسينتصر بعطاء أبنائه الشرفاء وبحب العرب له وبتقدير العالم لمكانته.. إنها لحظة تاريخية ومنعطف كبير سيخرج اللبنانيون منه أقوى، فالتاريخ علمنا أن الحياة هي للشعوب، أما الفاسدون فمكانهم في مزبلته.
بلغ السيل الزبى، ولم يعد أمام هذا البلد الجميل، بعد الفواجع التي ألمّت به إلا أن ينفض عن نفسه طبقة سياسية بالية، قبضت عليه وعلى مقدراته، وجرّعته الذل والحرمان، والعصبيات الطائفية والمذهبية كي تواصل التحكم في مصيره.
هذه مهمة الشعب اللبناني وحده في أن يبدل النظام الطائفي الحالي الذي يتقاسم المغانم، ويُغرق البلاد في الفساد والمحسوبيات والمحاصصة، ليقيم نظاماً جديداً.. قوامه العدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية الحقيقية، أساسه الولاء للوطن فقط، وليس للزعامات أو الطوائف.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"