شياطين العرب

02:45 صباحا
قراءة دقيقتين

هل الحديث عن طقوس الكتابة وليد المدنية والحداثة، وفكرة الغرب عن الإبداع؟ الواقع أن العرب القدماء نظروا إلى الشعر بالتحديد، على أنه «ثمرة تحالف ثنائي بين الشاعر وشيطانه المقيم في وادي عبقر» كما يرى «شوقي بزيع» في مقال عنوانه «طقوس الكتابة وأحوالها الغريبة»، فقد كان العرب يرون في الشعر كلاماً استثنائياً، يفيض عن قدرة البشر العاديين، ونسبوا هذا الفن إلى الجن، التي تملك الحق في رفد الشعراء، بما يلزمهم من شحنات الإلهام.
يعتبر ابن قتيبة في كتابه «الشعر والشعراء» من أبرز النقاد العرب القدامى، الذين تناولوا مسألة طقوس الكتابة، وهناك الجاحظ في كتابه «البيان والتبيين» وابن رشيق في «العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده» وابن خلدون في «المقدمة» كل هؤلاء تحدثوا عن طقوس الكتابة، وفي أي وقت يجب أن تكون، فمالوا كلهم، خاصة ابن قتيبة، إلى أن أفضل أوقات الكتابة ساعة الفجر، حيث يكون الذهن أصفى.
وأفرد ابن رشيق في كتابه «العمدة» فصلاً للشعراء العرب، والضروب التي يستدعون بها الشعر، فكثيّر عزة كان يطوف في الحدائق، والفرزدق كان يركب ناقته، ويمضي منفرداً في الشعاب والأودية، والأماكن الخربة، وجرير كان يشعل سراجه ويعتزل الناس، وربما غطى رأسه رغبة في العزلة، بينما كان ذو الرمة يخلو بنفسه لتذكر الأحباب، وكانت معاناة أبو حيان التوحيدي تعينه على الإبداع.
وفي كتاب «خزانة الأدب» جاء أن جريراً كان يكتب شعره في أول الليل، وفي هذا الزمن يكتب معظم الكتّاب ليلاً، لكن محمود درويش تحدث عن الشروط، التي يجب توافرها قبل الشروع في الكتابة، فهو يعترف في أحد حواراته الصحفية، بأنه لا يكتب إلا في «الضوء الطبيعي» وبقلم الحبر ذي اللون الأسود، وعلى ورق أبيض غير مسطر، وكلما شطب سطراً، مزق الصفحة، واستبدلها بغيرها، وقد يحدث أن تتعثر الكتابة، فيتطير من القلم ويستبدله، وكأن المشكلة في القلم.
وفيما يتعلق بالإيقاع، يقول درويش إنه ينصت أثناء الكتابة، إلى أنواع مختلفة من الموسيقى: «عندما أريد أن أكتب نصاً خافتاً، أستمع إلى شوبان، وعندما أريد أن أكتب نصاً عالي النبرة، أستمع إلى بيتهوفن» ويوضح أنه لا يستطيع الكتابة في الفنادق والطائرات والقطارات أو أي مكان آخر، سوى المكان الذي توجد فيه مكتبته الخاصة، لأنه يحتاج للعودة إلى المعاجم، بغية الوقوف على دقة المفردات، التي يستخدمها.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"