المخترع شيء والاختراع شيء آخر

01:13 صباحا
قراءة دقيقتين

شيماء المرزوقي

كلما شاهدنا مخترعاً جديداً أو توقفنا تعجباً أمام ابتكارات حديثة وإبداع خلاب، يبدأ الحديث عن تلك العقول المبتكرة التي أنتجت كل هذه المخترعات المذهلة، ويمضي الحديث في تناول سيرتهم والتوقف عند المفارقات التي مرت بهم، والتحديات التي صادفتهم؛ بل في بعض الأحيان تُخصص ندوات وورش ومحاضرات وتؤلف كتب تدور جميعها حول الشخصية المبتكرة والمخترعة والمبدعة، وما تم تقديمه للبشرية من فوائد جمة بواسطة هذه العقول المذهلة.

بطبيعة الحال هذا الأمر جيد، استذكار سير المبدعين والمتميزين يُعطي الإلهام ويقدم تلك الشخصيات في قوالب قصصية شائقة تستحق أن تكون مثالاً يحتذى؛ بل إن خير ما تؤثر به في الأجيال الناشئة، هو تقديم مخترعين ومبتكرين وكيف كانوا في طفولتهم، وكيف تغلبوا على التحديات والعقبات، فمثل هذه القصص تنير الطريق وتوجه رسالة بأن هؤلاء نجحوا وتميزوا مع أنهم واجهوا الصعاب والعقبات، وعاشوا في ظروف قاسية. 

فمن الطبيعي ـ إذن ـ أن أستطيع أن أفعل مثلهم، وأن أبدع كما أبدعوا، لكن هناك جانب آخر في هذه العملية لا يتم التطرق إليه ويتم تجاهله، وهو روح المنجز نفسه؛ عمق ما تم تقديمه من مخترعات أو مبتكرات، حيث لا تتم دراستها. نحتاج للتوقف عند المنجزات التي تحققت، عند المبتكرات والمخترعات نفسها؛ أن يحدث حوار حولها ومعرفة كيف كانت البداية كفكرة ثم مراحل تنفيذها، ثم ظهورها التدريجي، وصولاً إلى مراحل التطوير فيها وآلية عملها.

على سبيل المثال، نحن نتحدث عن المخترع الشهير توماس إديسون، ونروي القصص عنه وعن حياته، لكننا لا نتحدث عن أي من مخترعاته العديدة، كيف تحولت من فكرة إلى واقع، وكيف تم تصنيعها، وكيف سُوِّقت، وكيف طورت. الفيلسوف وأستاذ الرياضيات جوتفريد لايبنتز، الذي يعتبر أول من درس علم الجيولوجيا، له جملة بليغة جاء فيها: «هناك شيء أكثر أهمية من الاكتشافات الجميلة، وهو معرفة المنهج الذي تمت به هذه الاكتشافات». 

هذه الجملة تشبه ما أريد تسليط الضوء عليه. الاكتشافات والمخترعات وحتى المبتكرات البشرية التي قدمت طوال عقود من الزمن والتي مازالت مستمرة، تُثري الناس وتقدم خدمات جليلة للإنسان في كل مكان، هذه جميعها تتطلب أن نتوقف عندها بالبحث والدراسة العميقة في جوانبها المختلفة.

[email protected]

www.shaimaalmarzooqi.com

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلفة وكاتبة وناشرة، قدمت لمكتبة الطفل عدة قصص، وفي أدب الكبار أنجزت عدة روايات وقصص قصيرة، ونصوص نثرية. حازت على عدة جوائز أدبية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"